وقد ترددت بواكيرها في المغرب، كما ألمحنا، في غضون النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري. وسنعني بتتبع هذه الأصداء ورصدها في آثار:
1 - ولاة الأمر والحكم:
ويأتي في مقدمتهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي انتهت الأصداء الأولى للدعوة إلى المغرب في فترة حكمه. وقد كان له في إحياء السنة وإماتة البدعة جهود تمثلت في إعتنائه بكتب الحديث، إلى جانب الأصل الأول، وهي مرجعية الحركة السلفية، كما تمثلت في دعوته لنبذ العقيدة الأشعرية واستبدالها بالإعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل.
وكان يقول في تعليل ذلك بأن (طريقة الحنابلة في الإعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأئمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام) (22).
ووضع في ذلك رسالة نبه فيها إلى ما شاع بين العوام (من عموم الجهل بالتوحيد وأصول الشريعة وفروعها حتى ارتكبوا أموراً تقارب الكفر أو هي الكفر بعينه).
وتحدث الشيخ عبد الحفيظ الفاسي عن شغف السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمذهب السلف وحرصه على التمكين له، فقال بأنه نصر مذهب السلف في العقائد (وصرح في أول كتابه “ الفتوحات الكبرى ” بكونه مالكي المذهب حنبلي العقيدة، وافتتح كتابه بعقيدة الرسالة على مذهب السلف، وعقد في آخره باباً بين فيه وجه كونه حنبلي العقيدة ونصره. ولم يزل معلناً بذلك في مؤلفاته ورسائله ومجالسه العلمية) (23).
ونهج السلطان المولى سليمان نهج والده في الدعوة إلى مذهب السلف ومحاربة أهل الإبتداع والضلال. وإليه، كما أسلفنا، وجه الإمام سعود بن عبد العزيز بعد افتتاحه الحجاز وتطهيره مما كان فيه من البدع، رسالته التي شرح فيها مبادىء دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وغاياتها.
وقد تولى الرد على رسالة الإمام سعود بأمر من السلطان المولى سليمان وعلى لسانه أحد مرموقي علماء البلاط السليماني وأدبائه، وهو حمدون بن الحاج السلمي.
وصاغ هذا الرد في قصيد في تسعة وتسعين ومائة بيت، تتخللها تعليقات وشروحات نثرية من بحر البسيط وقافية الميم افتتحه بالتعبير عن شوقه للمواطن المجازية حيث تربة رسول الله ش المزرية بالمسك:
حق الهناء لكم جيران ذي سلم ... وبارق واللوى وألبان والعلم
قدستم أنفسنا أهيل كاظمة ... وساكني المنحني وألواد من أضم
هل المقدس غير واد فاطمة ... وهل طوى غير ذي طوى من الحرم
أراك يا وادي الأراك مقتطعاً ... من جنة الخلد في وسم وفي نسم
وكيف لا ورسول الله تربته ... هناك مزرية بالمسك والزهم
وثنى على هذا بالصلاة على رسول الله ش، ثم تخلص لموضع رده، بعد الإشارة إلى جهود الأمير سعود بن عبد العزيز في نشر ألوية الأمن ببلاد الحجاز، وإماتة البدع وإحياء السنن:
لا شيء يمنع من حج ومعتمر ... وزورة تكمل المأمول من حرم
إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه ... أهنا وآمن من حمامة الحرم
مذ لاح فيها (سعود) ماحيا بدعاً ... قد أحدثتها ملوك العرب والعجم
(سعود) بعد سلام الله شاعك من ... غرب يسير لشرق ضائع النسم
هذا كتاب إليك من محب أتى
وصموا بها الدعوة. وختم مشيداً بسيرة الأمير سعود في القول والفعل رواية عن الواردين على مغناه من الحجاج المغاربة:
وأنك الرجل المحمود سيرته ... في القول والفعل والمحسود في الشيم
بل لم أزل سائلاً للواردين على ... مغناك حتى استبان كل منكتم
من أنك الزاهر الزاهي بزهده في ... دنيا، وما هذه الدنيا سوى حلم
وأنك الباهر الباهي بعفته ... مقفيا ما أتي النون والقلم
وإن بدت منك شدة بأول ما ... بدوت ها أنت باد وافي الرحم
فكنت كالقلق البادي بأول ما ... بدا به خيط أسود مرى طسم
الحمد لله رب العالمين على ... ما عم من ضوئك الهادي لكل عمي
¥