(وبعد فإنا نحمد إليكم الله الذي هداكم وهدى بكم، فلقد سرنا ما بلغنا عنكم من سيرتكم، وشيمكم، وأحوالكم من الزهد في الدنيا، وإحياء رسوم الدين، والحض على طريق السلف الصالح وسنن المهتدين، والحمل على إخلاص التوحيد لرب العالمين، وقطع البدع والضلالات، التي هي منشأ زيغ العقائد وكثرة الجهالات. وما برحنا نسمع عنكم ما قد أصبتم فيه كل الإصابة، ووافقتم فيه كتب العلماء ومذاهب السلف والصحابة، كما لا يخفى على (من مارس) موطأ الإمام مالك وما في الصحيحين، وطالع مسند الإمام الأوحد الزاهد أحمد بن حنبل أمير المؤمنين في الحديث بلامين) (25).
ومن منطلق أن (مذهبنا - بعبارته - معشر المالكية مبني على ما أنتم عليه من سد الذرائع وإبطال البدع والمحدثات) شرع يعرض وجهة النظر فيما أثارته دعوة الشيخ من قضايا مثل قضية التكفير بذنب، والإستغاثة، والشفاعة، والدعاء عند القبر الشريف، وتقبيل المعظم شرعاً وغير ذلك.
وقد تحدثت المصادر التاريخية أن السلطان المولى سليمان كلف ولده الأمير إبراهيم بحمل رده على رسالة الإمام سعود إليه، فتوجه به صحبه وفد من كبار علماء المغرب في ركب الحاج عام 1226 هـ.
وقد وردت الإشارة بذلك في الرد الأول:
بعثت حجاج بيت الله قائدها ... شوق يقود بلا سوق ولا خطم
فيهم فلذة غراء من كبدي ... أقمت خلفا في نيل مغتنم
كما وردت ضمن الرد الثاني في قوله مخاطباً الأمير سعود (اتضح لدينا قصدكم وخلوص طويتكم في الذب عند الدين، ولحقنا احتياطتكموحياطتكم للمسلمين ومنعكم الجار وإن جار ( ... ) وجهناهم - أي الحجاج - وأحللنا ولدنا وسطهم في هذه السنة ملتمسين أجر تلك الخطى وأن يحط بها عنا الوزر والخطا ... ).
2 - رجالات العلم والفكر:
ويمكن تصنيفهم من حيث موقفهم من الدعوة إلى فريقين:
أولهما الفريق الذي تجاوب مع الدعوة وساندها. ويمكن أن نعد في طليعتهم السلطان سيدي محمد والسلطان المولى سليمان بوصفيهما عالمين. ونذكر منهم أبا الفيض حمدون بن الحاج السلمي (ت 1232 هـ) كاتب الرد الأول، والطيب بن عبد المجيد بن كيران كاتب الرد الثاني، والعباس بن كيران، والأمين بن جعفر الحسني الرتبي، وعبد الخالق الودي، ومحمد بن إبراهيم الزداغي المراكشي، وهو الذي تولى مساءلة الأمير سعود ومحاورته في مضامين الدعوة، وشهد، وكذلك رفاقه، أنهم ما رأوا منه (ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الإستقامة، والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المناكر المحرمة، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بهما جهاراً بلا إنكار) (26).
ونذكر من العلماء المتجاوبين مع الدعوة أبا عبد الله محمد بن أحمد أكنسوس (ت 1294 هـ). فقد دافع عن حمدون ابن الحاج، وهو كاتب رد الولى سليمان، وكان، بسبب هذا الرد، هدفاً للمناهضين للدعوة من العلماء، فبرأه مما رماه به أحدهم، وهو الزياني في (الترجمانة الكبرى وذكر أن السلطان المولى سليمان اختاره لكتابة الرد لسعة علمه وبراعة إنشائه وأنه ليس في علماء الوقت من يحسن الجواب عن ذلك الكتاب غيره ورأى أكنسوس في دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب صورة من السلفية السنية الحنبلية كما تمثلها ابن حزم وابن تيمية.
ومن أشهر العلماء الذين تمثلوا مبادئ الدعوة السنية، وتجاوبوا مع توجهاتها الإصلاحية في حركتهم السلفية التغييرية أبو سالم عبد الله بن إدريس السنوسي الذي حج وتحمل عمن لقي من المحدثين كمحمد نذير حسين الهندي وأمثاله، فلما رجع إلى المغرب تصدر لنشر مذهب السلف في العقائد داعياً إلى وجوب التمسك بالأصلين ونبذ ما سواهما. وقد وجد السنوسي في رعاية السلطان المولى الحسن الأول خير مشجع له على الدعوة الفكرية السلفية السنية.
يقول الشيخ عبد الحفيظ الفاسي:
¥