فالجواب: أن نقول لا غيبة فيهم إذا ذكروا في حال بدعتهم وزيغهم، بل الخائض فيهم مأجور، ليقع الحذر منهم ومن مذهبهم الفاسد ... .
وإنما الغيبة إذا ذكروا بشيء من أبدانهم، وأما بدعتهم فلا)).
(13) من علامة صدق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباع سنته وترك الابتداع.
قال رحمه الله (ص:238): ((فإن قيل: هؤلاء القوم يحبون نبيهم، ويصلون عليه ويرجون شفاعته ولهم نية خالصة في عبادتهم وأفعالهم لله تعالى.
فالجواب: أن نقول ما قال الحسن: ((لا يغرنكم قول من يقول المرء مع من أحب))، فإنك لا تلحق الأبرار إلا أن تعمل بعملهم واتباع سنتهم، فإن اليهود أحبوا موسى عليه الصلاة والسلام، وليسوا معه إذ لم يتبعوه وأهل البدع يحبون أنبيائهم وليسوا معهم إذ لم يتبعوهم بل كذبوا.
ولقد أحسن من قال:
من يدّع حب المرء ولم يكن بسنته متمسكاً فهو كاذب
علامة صدق المرء في الحب أن يرى على منهج كانت عليه الحبايب))
أقول: والمقصود بذلك من يدعي حبهم ويزعم أنه يحشر معهم وهو على غير سبيلهم ومخالف لسنتهم.
(14) الرأس في الضلالة إن مات تلحقه ذنوب أتباعه.
قال رحمه الله (ص:242): ((وأما الشيخ في البدائع المذكورة فهو ضال مضل وغوايته أشد على الناس من أبليس اللعين؛ لأن إبليس يخدع الناس بالوسوسة، وهذا الشيخ المبتدع يخدعهم بالمشاهدة، وكل من مات ماتت ذنوبه، إلا الشيخ المبتدع الذي يدعو الناس إلى البدعة؛ فإنه وإن مات لم تمت ذنوبه)).
(15) من هم العلماء حقاً الذين يستحقون الاقتداء.
قال رحمه الله (ص:250): ((فإن قيل: قد قلتم إنه لا يقتدى إلا بالعلماء في الدين، وهؤلاء شيوخنا علماء.
فالجواب: أن نقول إن العقلاء ينظرون للأشياء، ويميزون بين الأموات والأحياء، فما كل سحاب أبرق وأمطر، ولا كل عود أورق وأثمر، ولا كل مستدير هلال، ولا كل أخضر حلال، إنما يقتدى بالفقيه العالم المدرس العامل بالكتاب والسنة، العارف بهذه الآداب في الملبس والمسكن والقوت، المؤثر للعزلة والخمول، الذي يعرض عن الهوى والفضول، ويواظب على الذكر والصلاة، ويكثر الصمت ويقلل الكلام، ويكتفي بما وجد، ويقلل المنام، ويوصي بالمعروف، ويحفظ الحدود، قليل الطمع، شديد الورع، لا يفرح بالدنيا إذا أقبلت، ولا يحزن عنها إذا أدبرت، همه وهمته في آخرته، يكره ظهور حسناته، كما يكره ظهور سيئاته، يكره الجاه، ويحب في الله ويبغض في الله مشهور في العلم، يستفاد منه كل خير)).
(16) كثرة وسمعة السالكين ليست دليلاً على الحق.
قال رحمه الله (ص:252 - 254): ((فإن قيل: هذا الطريق مسلوك وعليه خلق كثير فاتبعناه، وما أحدثنا نحن شيئاً فيكون جميع هؤلاء مع كثرتهم وفيهم العلماء وصلحاء وقوّام الليل وصوام النهار وحجاج لبيت الله الحرام، وغزاة في سبيل الله وفعاّل المعروف، ووجوه البر، والدنيا عامرة بالفقهاء والسلاطين والخدام والحكام ولم ينهوا عن ذلك لو كان ذلك باطلاً.
فالجواب: أن نقول قولك: وجدنا الطريق مسلوكاً واتبعناه، فهذا الجواب قديم أصله من الكفار لما عُرض عليهم الإسلام، قال الله تعالى حكاية عنهم: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)، ولا شك أن السنة في البدائع كالإسلام في الأديان ....
وأما قولك: ما أحدثنا نحن شيئاً. فجوابه: أنه أحدثه بدعي عدو لدين الله واتبعته أنت.
وأما الاستدلال بكثرة القوم الضالين فلا يغتر به عاقل؛ لأنّ أهل الكفر أكثر من أهل الإيمان والإسلام بأضعاف مضاعفة)) ثم ذكر حديث بعث النار وفيه: "أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار".
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.