تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويحتمل أن هذا اللفظ ـ المذكور في هذه الرواية ـ تصحيف كما قال ابن عبد البر ـ رحمه الله وأن الأصل (أفلح والله) فصححه بعض الكتاب أو الرواة فأصبح (أفلح وأبيه) ومع ذلك كله وعلى فرض أن الراوي قد ضبطها فهي رواية فريدة شاذة خالف فيها الراوي جماعة الثقات فلا يجوز لمن خاف مقام ربه أن يتعلق أو يتعلل أو يحتج بها لأنه إذا احتج بها فقد خالف الأحاديث الكثيرة والصريحة الصحيحة في تحريم الحلف بغير الله عز وجل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " أخرجه الترمذي و الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر.

وهذا دليل على أن الحالف بغير الله مشرك الشرك الأصغر، وقد يكون الحلف بغير الله شركا أكبر يحبط الأعمال ولا يغفره الله عز وجل وهذا إنما يكون في حالات منها:

الحالة الأولى: إذا قام بقلب الحالف أن هذا المخلوق والمحلوف به يستحق كما يستحقه الله سبحانه فهذا قد ساوى الخالق بالمخلوق فهو يعظمه كما يعظم ربه فهذا قد وقع في المصيبة العظمى والمنكر الجسيم والشرك الأكبر وقد ارتد بهذا عن دينه وفارق جماعة المسلمين ولو صلى ولو صام ولو زعم أنه من المسلمين حتى يتوب إلى ربه عز وجل وإن أصر على تعظيم المخلوق المحلوف به كتعظيمة لربه عز وجل حتى مات فهو في النار خالدا مخلدا فيها أبدا وقد احبط الله عمله فلم يقبل منه صرفا، ولا عدلا، ولا صلاة، ولا صياما، ولا حجا قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) (الزمر: 65).

الحالة الثانية: إذا قام بقلب الحالف بغير الله أن هذا المخلوق المحلوف به يجوز أن يعبد مع الله أو ساوى به الله في المحبة أو نحو ذلك من المقاصد والنيات الكفرية فهو بهذا يكون أيضا مشركا شركا أكبر، إذا فالحلف بغير الله قد يكون شرا أصغر وقد يكون شركا أكبر بحسب مقصد الحالف ونيته فإن كان في قبل الحالف بالنبي أو بالبدوي أو الشيخ فلان أو أنه يتصرف في الكون مع الله ونحو ذلك فإنه يكون مشركا شركا أكبر بهذه العقيدة، أما إذا لم يقصد هذا القصد وإنما جرى على لسانه من غير هذا القصد لكونه اعتاد ذلك، فهو مشرك الشرك الأصغر، وفرق بين الشركين فالشرك الأكبر لا يغفر الله لصاحبه وهو مخلد في النار وأعماله كلها يحبطها الله.

والشرك الأصغر، من أكبر الكبائر وصاحبه على خطر عظيم لكن قد يمحى عن صاحبه برجحان الحسنات وقد يعاقب عليه بعض العقوبات لكن لا يخلد صاحبه في النار وليس هو مما يحبط الأعمال كلها، وإنما يحبط العمل الذي قارنه، فالشرك الأكبر ينافي ويخالف الإسلام كله.

والشرك الأصغر ينافي كمال الإيمان الواجب فلا بد يا عباد الله من ترك الشرك كله دقيقه وجليله صغيره وكبيره.

وهذا سبب خوف الصحابة رضوان الله عليهم من الحلف بغير الله حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه " لأن أحلف بالله كاذب أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ".

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف فقال في حلفه: باللات والعزة فليقل: لا إله إلا الله " رواه البخاري ومسلم بإسناديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه.

وهذا الحديث يدل على أن الحالف بغير الله قد أتى بنوع من أنواع الشرك فكفارته أن يأتي بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ليكفر بها ما وقع منه من الشرك وقد خرج النسائي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه " أنه حلف باللات والعزى فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وانفث عن يسارك ـ ثلاثا ـ وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تعد ".

وهذا يدل على شدة تحريم الحلف بغير الله وأنه من الشرك ومن همزات الشياطين وفيه النهي عن أن يعود الحالف بغير الله بعد هذا إلى هذه المعصية العظيمة التي تساهل فيها كثير من المسلمين وأولادهم فقد سمعت أن بعض الممثلين يمثلون المشركين في الجاهلية ويحلفون باللات والعزى فأخذ بعض أولا المسلمين يحلفون بها لما سمعوا الممثلين يقولونها في التلفاز تقليدا لهم لجهلهم وجالتهم.

كذلك نسمع بين الحين والحين من يقول في حلفه (والنبي) (والكعبة) وحياة (أبي) وحياة (النبي) (والله وحياتك يافلان، أو حياتي) وهذا والعياذ بالله مخالفة لأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولا يجوز الحلف بالتحريم كقوله: علي الحرام لأفعل. بالحرام لأفعلن كذا وكذا والحلف بالطلاق مكروه بصيغة علي الطلاق لأفعلن كذا، أو إن فعلت كذا فأنت طالق.

وأما إن قال في حلفه بالطلاق (بالطلاق لأفعلن كذا أو لا) فذلك منكر لا يجوز لأنه من الحلف بغير الله عز وجل.

إذا يا عباد الله من كان حالفا فليحف بالله أو ليصمت واليمين الشرعية كما تعلمون هي وحده لا شريك له، وصفتها أن يقول (والله أو بالله أو تالله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا) وهكذا لو حلف بغير اسم الجلالة، من أسماء الله سبحانه الأخرى أو بصفة من صفاته كالرحمن الرحيم ومالك الملك.

وعلم الله ونحو ذلك فإن هذا جائز وهو الحلف المشروع الذي ورد في الشرع المطهر وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف كثيرا بقوله " والذي نفسي بيده " ويقول في حلفه أيضا " يا مقلب القلوب ".

جعلني الله وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم متبعين وثابتين، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير