تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خلقوا مستعدين للاختلاف والتفرق في علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم، وما يتبع ذلك من إراداتهم واختيارهم في أعمالهم، ومن ذلك الإيمان، والطاعة والمعصية.

وضوح الحق وجلاؤه

وعلى الرغم من حقيقة وجود هذا التَّبايُن بين الناس؛ في عقولهم ومُدركاتهم وقابليتهم للاختلاف، إلا أن الله وضع على الحقِّ معالمَ، وجعل على الصراط المستقيم منائرَ .. وعليه حُمِلَ الاستثناء في الآية في قوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود:119).

وهو المنصوص عليه في الآية الأخرى في قوله: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} (البقرة:213).

وذلك أن النفوس إذا تجرَّدت من أهوائها، وجدَّت في تَلَمُّس الحقِّ فإنها مَهْديَّةٌ إليه؛ بل إنّ في فطرتها ما يهديها، وتأمَّل ذلك في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم:30).

ومنه الحديث النبوي: ((ما من مولود إلا يُولدُ على الفِطْرة، فأبواه يُهوّدانه، ويُنَصِّرانه، ويُمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تُحِسّون فيها من جَدْعاء حتى أنتم تجدعونها؟)).

ويُوضح ذلك، أن أصول الدين، وأمَّهات الفضائل، وأمَّهات الرذائل، مما يتفق العالم الرشيد العاقل على حُسْن محموده وحمده، والاعتراف بعظيم نفعه، وتقبيح سيِّئه وذمِّه. كل ذلك في عبارات جليَّة واضحة، ونصوصِ بينِّة لا تقبل صرفاً ولا تأويلاً ولا جدلاً ولا مراءاً. وجعلها أمّ الكتاب التي يدور عليها وحولها كل ما جاء فيه من أحكام، ولم يُعذَرْ أحد في الخروج عليها، وحَذَّر من التلاعب بها، وتطويعها للأهواء والشهوات والشبهات بتعسف التأويلات والمُسوِّغات، مما سنذكره كأصل من أصول الحوار، ورفع الحرج عنهم، بل جعل للمخطيء أجراً وللمصيب أجرين تشجيعاً للنظر والتأمل، وتَلَمُّس الحقّ واستجلاء المصالح الراجحة للأفراد والجماعات. ولربك في ذلك الحكمة البالغة والمشيئة النافذة.

ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[08 - 03 - 07, 07:27 ص]ـ

مواطن الاتفاق

إنّ بِدْءَ الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة وفُشُوِّ روح التفاهم. ويصير به الحوار هادئاً وهادفاً.

الحديث عن نقاط الاتفاق وتقريرها يفتح آفاقاً من التلاقي والقبول والإقبال، مما يقلّل الجفوة ويردم الهُوَّة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب، كما يجعل احتمالات التنازع أقل وأبعد.

والحال ينعكس لو استفتح المُتحاورون بنقاط الخلاف وموارد النزاع، فلذلك يجعل ميدان الحوار ضيقاً وأمده قصيراً، ومن ثم يقود إلى تغير القلوب وتشويش الخواطر، ويحمل كل طرف على التحفُّز في الرد على صاحبه مُتتبِّعاً لثغراته وزَلاته، ومن ثم ينبري لإبرازها وتضخيمها، ومن ثم يتنافسون في الغلبة أكثر مما يتنافسون في تحقيق الهدف.

ومما قاله بعض المُتمرّسين في هذا الشأن:

دَعْ صاحبك في الطرف الآخر يوافق ويجيب بـ (نعم)، وحِلْ ما استطعت بينه وبين (لا)؛ لأن كلمة (لا) عقبة كؤود يصعب اقتحامها وتجاوزها، فمتى قال صاحبك: (لا)؛ أوجَبَتْ عليه كبرياؤه أن يظلّ مناصراً لنفسه.

إن التلفظ بـ (لا) ليس تفوُّها مجرداً بهذين الحرفين، ولكنه تَحفُّز لكيان الإنسان بأعصابه وعضلاته وغدده، إنه اندفاع بقوة نحو الرفض، أما حروف (نعم) فكلمة سهلة رقيقة رفيقة لا تكلف أي نشاط جسماني (5).

ويُعين على هذا المسلك ويقود إليه؛ إشعارك مُحدثَّك بمشاركتك له في بعض قناعاته؛ والتصريح بالإعجاب بأفكاره الصحيحة وأدلته الجيدة ومعلوماته المفيدة، وإعلان الرضا والتسليم بها. وهذا كما سبق يفتح القلوب ويُقارب الآراء، وتسود معه روح الموضوعية والتجرد.

وقد قال علماؤنا: إن أكثر الجهل إنما يقع في النفي؛ الذي هو الجحود والتكذيب؛ لا في الإثبات، لأن إحاطة الإنسان بما يُثْبتُه أيسر من إحاطته بما ينفيه؛ لذا فإن أكثر الخلاف الذي يُورث الهوى نابع؛ من أن كل واحد من المختلفين مصيب فيما يُثْبته أو في بعضه، مخطيء في نفي ما عليه الآخر.

أصول الحوار

الأصل الأول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير