ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع، سد الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية 0
وقال ابن رسلان الشافعي اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه؛ لا سيما عند كثرة الفساق 0
والمجيزون لكشف المرأة وجهها، ليس لديهم دليل صحيح صريح يبيح ذلك ويأذن فيه فأدلتهم ما بين صريح ليس بصحيح، أو صحيح ليس بصريح، وأقوى ما لديهم حديث جابر. أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى النساء، فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من وسط النساء سفعاء الخدين .... 0
وهذه اللفظة (سفعاء الخدين) جاءت في صحيح الإمام مسلم من رواية عبد الملك ابن سليمان، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما 0
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وليس فيه هذه الزيادة 0
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان 0
قال الإمام أحمد رحمه الله: عبد الملك من الحفاظ إلا أنه يخالف كان يخالف ابن جريج في إسناد أحاديث، وابن جريج أثبت منه عندنا 0
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها، دعوى غير صحيحة، فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث، بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم 0
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته، ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ 0
وأما حديث عائشة الوارد عند أبي داود (4104) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن خالد بن دريك، عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يري منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه 0
فهذا خبر ضعيف. فخالد بن دريك، لم يسمع من عائشة رضي الله عنها 0
وقد أشار إلى ذلك، الإمام أبو داود فقال عقبه: هذا مرسل خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها 0
وفيه علل أخرى لا أطيل بذكرها 0
وقد رواه أبو داود في المراسيل من طريق هشام، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم .... ) وهذا هو المحفوظ، ولا تثبت به حجة، والأحاديث الصحيحة على خلافه 0
وأما النظر إلى المرأة الأجنبية، أو نظرها إلى الرجل، فهو على ثلاث مراتب:
الأولى: النظر بشهوة، فهذا حرام بالإجماع 0
الثانية: قصد النظر إلى المرأة، أو قصد المرأة النظر إلى الرجل، بدون حاجة فهذا حرام، ولو بدون شهوة، لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} 0
ومنه حديث أم سلمة رضي الله عنه قالت: كنت أنا وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء ابن أم مكتوم يستأذن، وذلك بعد أن ضرب الحجاب، فقال (قوما) فقلنا: إنه مكفوف، ولا يبصرنا، قال: (أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟) رواه أبو داود (4112) والترمذي (2778) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح 0
وصححه ابن حبان (12/ 387) 0
وقال الحافظ ابن حبيب العامري المتوفى سنة (530هـ): إن الذي أجمعت عليه الأمة، واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة هو نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض وهم من ليس بينهم رحم من النسب ولا محرم من سبب – كالرضاع وغيره – فهؤلاء حرام نظر بعضهم إلى بعض، وهو كل من حرم الشرع تزويج بعض منهم ببعض على التأبيد، فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافة المسلمين لا يباح بدعوى زهد وصلاح، ولا توهم عدم آفة ترفع عنهم الجناح، إلا في أحوال نادرة من ضرورة، أو حاجة فما سوى ذلك محرم سواء كان عن شهوة أو غيرها ... ) 0
ولم يزل العلماء العاملون، والأئمة المهديون، يحذرون من اللحظات فهي سهم مسموم، من سهام إبليس، ويوجبون حفظ البصر، وغض الطرف، وقد جاء في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعطوا الطريق حقه) قالوا: وما حقه يارسول الله؟ قال (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) 0
قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لاكله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقال بعض العلماء (الصبر على غض البصر، أيسر من الصبر على ألم ما بعده) 0
الثالثة: أن يكون النظر غير مقصود لذاته، ولا يترتب عليه مفسدة، فهذا مباح ومنه نظر عائشة إلى الحبشة وهم يلعبون بالدرق. والخبر في الصحيحين 0
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
19/ 2/1425هـ