ولكي يعزز البابا حجته، استعان باقتباس من كتاب لامبراطور بيزنطي كان ينتمي للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية المنافسة في أواخر القرن الرابع عشر. ومن العجبيب حقا أن يختار البابا أن يقتبس كلاما لشخص كهذا دون غيره، وهو الامبراطور مانويل باليوجوس الثاني. كانت المقولة الواردة في حوار (غير مؤكد إلى هذه اللحظة) مع عالم دين من بلاد فارس ... وتقول الرواية أن الامبراطور إياه، عندما احتدت المناقشة (وطبقا لما يورده هو نفسه بدون شهود) قذف في وجه محاوره الفارسي الكلمات التالية:
"أرني تحديدا ما أتي به محمد من جديد ولسوف ترى الشر وانعدام الإنسانية، ومن ذلم أمره لأتباعه بنشر العقيدة التي يدعو لها بحد السيف".
هذه الكلمات تثر ثلاثة أسئلة:
أ- لماذا نطق بها البابا؟
ب- هل هي حقيقية؟
ج- لماذا استعان البابا الحالي بهذه الكلمات؟
· * *
لماذا؟
عندما كتب الامبراطور مانويل الثاني أطروحته، كان على رأس امبراطورية تحتضر، تولى زمام الأمور بسنة 1391 عندما لم يكن لهذه الامبراطورية سوى بضعة أقاليم باقية، بل هذه بدورها كانت فعليا تحت التهديد العثماني.
في هذه الحقبة من الزمن، العثمانيون الأتراك كانوا قد وصلوا إلى ضفاف نهر الدانوب بعدما احتلوا بلغاريا وشمال اليونان وهزموا مرتين جيوش النجدة التي أرسلتها أوروبا لإنقاذ الامبراطورية الشرقية.
في سنة 1453 .. أي بعد بضعة سنوات قليلة من وفاة مانويل، سقطت عاصمته "القسطنطينية في أيديهم وهو ما وضع خاتمة نهائية لهذه الامبراطورية التي ظلت حية لمدة تزيد على ألف عام.
خلال فترة حكمه كان الامبراطور يتجول في أرجاء أوروبا طالبا النجدة والدعم مع الوعد بتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية، ولا يوجد شك على الإطلاق بأنه كتب أطروحته لكي يحفز ويثير الدول المسيحية ضد الأتراك ويقنعهم بإطلاق حملة صليبية جديدة، والهدف كان عمليا: الدين في خدمة الأغراض السياسية.
وفي هذا السياق، الاستشهاد المستخدم كان يخدم مطلبات الامبراطور الحالي جورج بوش الثاني. فهو أيضا يريد توحيد العالم المسيحي ضد "محور الشر" الإسلامي أساسا. ونضيف إلى أن الأتراك مرة أخرى يطرقون على أبواب أوروبا، وإن كانت هذه المرة بطرق سلمية.
من المعروف جيدا أن البابا دعم وساند القوى التي تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
· * *
هل هناك حقيقة في الحجة؟
البابا نفسه وضع عبارة على سبيل الحذر في السياق، فبصفته عالم دين معروف، لا يستطيع أن يزور في النصوص المكتوبة، وعليه اعترف بأن القرآن يمنع نشر الدين بالقوة، فذكر سورة آل عمران الأية رقم 256 (والغريب في الأمر أن المقصود هو الآية 257 وما كان له أن يخطيء بهذه البساطة)، والآية تقول نصا "لا إكراه في الدين ... "
كيف يستطيع إنسان أن يتجاهل إقرار لا جدال فيه؟
فماذا إذا يقول البابا؟ ... يقول بأن الرسول وضع هذا الأمر في بداية رسالته عندما كان لا يزال ضعيفا وبدون قوة، ولكن فيما بعد أمر باستخدام السيف في خدمة الدين.
مثل هذا الأمر لا يوجد في القرآن ...
صحيح أن الرسول دعا لاستخدام السيف في حروبه ضد القبائل المعارضة (اليهودية وغيرها في الجزيرة العربية) عندما كان يشيد دولته، ولكن ذلك كان عملا سياسيا ولم يكن عملا دينيا، في الأساس هذه الحروب كانت في سبيل الأراضي ولم تكن أبدا لنشر العقيدة.
المسيح قال: " سوف تتعرفون عليهم بثمارهم" ...
معاملة الإسلام للديانات الأخرى نستطيع أن نحكم عليها باختبار بسيط:
كيف تصرف الحكام المسلمين لمدة ألف سنة عندما كانت لديهم القدرة على فرض الدين بحد السيف؟
حسنا إنهم لم يفعلوا ذلك بكل بساطة (أي أنهم لم يفرضوا الدين بحد السيف على الرغم من قدرتهم على ذلك.)
لعدة قرون، حكم المسلمون اليونان. .... هل أصبح اليونانيون مسلمين؟ .... هل حاول أحد من المسلمين تحويلهم إلى الدين الإسلامي؟ ....
على العكس من ذلك، اليونان المسيحيون كان في أقوى المراكز بالإدارة العثمانية، البلغار والصرب والرومانيون والهنغاريون وغيرهم من الأمم الأوروبية عاشوا تحت الحكم العثماني وحافظوا على ديانتهم، لم يقم أحد بإجبارهم على اعتناق الإسلام وكلهم بقوا مخلصين لدينهم.
¥