وقال:
وكل آيٍ أتى الرُّسْلُ الكرامُ بها
فإنما اتصلت من نوره بهم
وقال:
فاق النبيين في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ
وكلُّهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وقال في الهمزية مؤكداً هذا المعنى:
كلُّ فضلٍ في العالمين فمِنْ
فضلِ النبي استعاره الفضلاءُ
قال الهيتمي في شرح البردة: (فإنما اتصلت من نوره بهم: أي وصلت منه إليهم بطريق الاستمداد وذلك لأن نوره صلى الله عليه وسلم كان مخلوقاً قبل آدم صلوات الله وسلامه عليه بل قبل سائر المخلوقات من السموات وما فيها والأرض وما عليها وغير ذلك) ([17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn17)) وهذا من خرافات الصوفية فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولدُ آدم وخُلق بعد آدم، فكيف يكون نوره خلق قبله؟! عليه صلوات ربي وسلامه.
وقال في شرح الهمزية: (لأنه صلى الله عليه وسلم الممد لهم، إذ هو الوارث للحضرة الإلهية، والمستمد منها بلا واسطة دون غيره، فإنه لا يستمد منها إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم، فلا يصل لكامل شيء إلا وهو من بعض مدده وعلى يديه، فآيات كل نبي إنما هي مقتبسة من نوره، لأنه كالشمس، وهم كالكواكب، فهي غير مضيئة بذاتها وإنما هي مستمدة من نور الشمس، فإذا غابت أظهرت أنوارها فهم قبل وجوده صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يظهرون فضله، وأنوارهم مستمدة من نوره الفائض ومدده الواسع) ([18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn18)). كلام لا دليل عليه لا عقلي ولا نقلي، إنما هو كلام في كلام، لا زمام له ولا خطام.
وفي البردة الاستجارة والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك عند قوله:
ما سامني الدهرُ ضيماً واستجرت به
إلا ونلتُ جواراً منه لم يضمِ
ولا التمستُ غنى الدارين من يده
إلا التمستُ الندى من خير مستلمِ
ومعنى ذلك: أي ما ظلمني أهل الدهر في وقت من الأوقات وطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلني في جواره ليحميني من ضيم الدهر إلا وقربني منه ([19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn19)).
والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في شعر البوصيري -وهي أشنع من التوسُّل، وإن خلط بينهما بعضُ الناس جهلاً أو تلبيساً-، ولم تقتصر على البردة فقط بل هي في غيرها أكثر غلواً، ومن ذلك قوله كما في (الديوان):
يا نبي الهدى استغاثةُ مَلْهُو
فٍ أضرتْ بحاله الحوباءُ
يدَّعي الحب وهو يأمر بالسو
ءِ ومن لي أن تصدق الرغباءُ
إلى أن قال:
هذه عِلَّتي وأنت طبيبي
ليس يخفى عليك في القلب داءُ
ومن الفوز أن أبثك شكوى
هي شكوى إليك وهي اقتضاءُ ([20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn20))
وأشد من ذلك دعاؤه النبي صلى الله عليه وسلم أن يصفح عنه وأن يقبل عذره بقوله:
يا من خزائنُ جودهِ مملوءةٌ
كرماً وبابُ عطائه مفتوحُ
ندعوك عن فقرٍ إليك وحاجةٍ
ومجالُ فضلك للعُفَاة فسيحُ
فاصفح عن العبد المسيء تكرماً
إن الكريمَ عن المسيء صفوحُ
واقبل رسولَ الله عذرَ مقصِّرٍ!
هو إن قبلت بمدحك الممدوحُ
في كلِّ وادٍ من صفاتك هائمٌ
وبكلِّ سرٍّ من نداك سبوحُ ([21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn21))
وأقبح منه غلوُّه في الشريفة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهم بقوله:
سليلة خير العالمين "نفيسة"
سمت بك أعراقٌ وطابت محاتدُ
إذا جحدت شمسُ النهار ضياءها
ففضلك لم يجحده في الناس جاحدُ
بآبائك الأطهار زينت العلا
فحبات عقد المجد منهم فرائدُ
ورثتِ صفاتِ المصطفى وعلومَه
ففضلُكما لولا النبوةُ واحدُ! ([22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=560157#_edn22))
وفي البردة أخطاء أخرى نمر عليها مروراً سريعاً حتى لا يظن ظان أنها مقصورة على بيتين أو ثلاثة، فمن ذلك:
قوله:
أقسمتُ بالقمرِ المنشقِّ إنًّ له
من قلبه نسبةً مبرورةَ القسمِ
وهذا قسم بغير الله لا يجوز.
وقوله:
دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ
واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِمِ
¥