وذلك أن الاجتماع لصلاة تطوع أو استماع قرآن أو ذكر الله ونحو ذلك إذا كان يفعل ذلك أحيانا فهذا أحسن فقد صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه صلى التطوع في جماعة أحيانا وخرج على أصحابه وفيهم من يقرأ وهم يستمعون فجلس معهم يستمع وكان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا اجتمعوا أمروا واحدا يقرأ وهم يستمعون وقد ورد في القوم الذين يجلسون يتدارسون كتاب الله ورسوله وفي القوم الذين يذكرون الله من الآثار ما هو معروف مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا غشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " وورد أيضا في الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر فإذا وجد قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم الحديث.
فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة فإن ذلك يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة والعيدين والحج وذلك هو المبتدع المحدث
ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة فإن ذلك يضاهي المشروعوهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة.
فروى أبو بكر الخلال في كتاب الأدب عن إسحاق بن منصور الكوسج أنه قال لأبي عبد الله يكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم قال ما أكره للإخون إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا
وقال إسحاق بن راهويه كما قال الإمام أحمد
وإنما معنى أن لا يكثروا أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا هذا كلام إسحاق.
قال المروزي سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا قال أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال أبو السري الحربي قال أبو عبد الله وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلون ويذكرون ما أنعم الله به عليهم كما قالت الأنصار.
وهذه إشارة إلى أن ما رواه أحمد حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المدينة قالوا: لو نظرنا يوما فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا فقالوا يوم السبت ثم قالوا لا نجامع اليهود في يومهم قالوا فيوم الأحد قالوا لا نجامع النصارى في يومهم قالوا فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم.
وقال أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي سألت أحمد بن حنبل عن القوم يجتمعون ويقرأ لهم القارئ قراءة حزينة فيبكون وربما أطفؤا السراج فقال لي أحمد إن كان يقرأ قراءة أبي موسى فلا بأس.
وروى الخلال عن الأوزاعي أنه سئل عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا يقص عليهم قال إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس.
فقيد أحمد الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يتخذ عادة.
وكذلك قيد إتيان الأمكنة التي فيها آثار الأنبياء:
قال سندي الخواتيمي سألنا أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد ويذهب إليها ترى ذلك قال أما على حديث ابن أم مكتوم أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه يصلي في بيته حتى يتخذ ذلك مصلى وعلى ما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما يتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره فليس بذلك بأس أن يأتي الرجل المشاهد إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا وأكثروا فيه.
وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم ولفظه سئل عن الرجل يأتي هذه المشاهد التي بالمدينة وغيرها يذهب إليها قال أما على حديث ابن أم مكتوم أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يأتيه فيصلي في بيته حتى يتخذه مسجدا، وعلى ما كان يفعله ابن عمر يتبع مواضع سير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفعله حتى رؤي يصب في موضع ما فسئل عن ذلك فقال رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصب ههنا ماء قال أما على هذا فلا بأس.
قال ورخص فيه ثم قال ولكن قد أفرط الناس جدا وأكثروا في هذا المعنى فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده.
وهذا الذي كرهه أحمد وغيره من اعتياد ذلك مأثور عن ابن مسعود وغيره لما اتخذ أصحابه مكانا يجتمعون فيه للذكر فخرج إليهم فقال يا قوم لأنتم أهدى من محمد أو لأنتم على شعبة ضلالة
وأصل هذا أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سننا ومواسم قد شرع الله منها ما فيه كفاية للعباد فاذا أحدث اجتماع زائد على هذه الإجتماعات معتاد كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه بخلاف ما يفعله الرجل وحده أو الجماعة المخصوصة أحيانا ... )
وقال الشاطبي في الاعتصام: (لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزا لأنه على الشرط المذكور إذ لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام ولا كونه سنة تقام في الجماعات ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب وكما أنه دعا أيضا في غير أعقاب الصلوات على هيئة الاجتماع لكن في الفرط وفي بعض الأحايين كسائر المستحبات التي لا يتربص بها وقتا بعينه وكيفية بعينها ... ) وذكر كلاما كثيرا ينظر في الاعتصام (1/ 304)
¥