ومن ثمَّ أنكر عمر رضى الله عنه على كعب، فالإسلام دين التوحيد الخالص، الذي لا يعرف عبادة الحجر والشجر، ولا التبرك بها، ولا اعتقاد النفع والضر فيها. وعمر رضي الله عنه هو من هو، صاحب العقيدة الخالصة الصافية، صاحب المقولة المشهورة عندما وقف أمام الحجر الأسود فقال: (أما والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ثم قبّله.
ورغم ذلك نجد أن عمر رضي الله عنه لم يتجاهل ما لصخرة بيت المقدس من فضل باعتبار كونها داخل بيت المقدس، لها من شرفه وبركته -لا أكثر-، فها هو بعد أن دخل بيت المقدس ينقب عنها، فقد كان عليها زبالة عظيمة، لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها نكاية باليهود الذين يُصلّون إليها، فأمر بإزالة النجاسة عنها، بل قيل أنه أزالها بنفسه. أما أن يبني عليها مسجداً، فقد أنكر ذلك ونسبه إلي اليهود المغضوب عليهم.
فسبحان الله، هذا حجر وهذا حجر، وهذا عمر وهذا عمر! ولكن: (لولا أني رأيت رسول الله. .) حجةٌ قوية، فرّقت بين الحجر والحجر وبين عمر هنا وعمر هناك.
قال شيخ الإسلام بن تيمية في مجموعة الرسائل الكبرى (2/ 57 - 58): (ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية.) اهـ.
!!!
ولاشك أنك الآن تتساءل: فما بال ذلك المسجد الضخم ذو القبة المذّهبة، الذي تملأ صورته العالم الإسلامي بأسره، والذي يظن أكثر المسلمين أنه المسجد الأقصى، فما باله مبنيٌ فوق تلك الصخرة التي أنكر فاروق الأمة رضي الله عنه بناء مسجدٍ عندها ونسب ذلك إلى اليهود، والتي لم يصل عندها أحد من أئمة هذه الأمة، الصحابة الكرام؟ ولك أن تتساءل!!!
تعظيم الحجر والشجر!
لا شك أن ما بيناه من أمر صخرة بيت المقدس، وموقف عمر بن الخطاب والصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين من هذه الصخرة، لاشك أن ذلك يشير بأصابع الاتهام إلى ذلك المسجد وإلى من بناه فوق هذه الصخرة!.
فصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم أجمعين كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله ومن الدين جديده، وأخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويل القرآن، أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم خير الناس وأفضلهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. .). أخرجه الشيخان، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (افترقت اليهود على اثنين وسبعين فرقة والنصارى كذلك وتفترق أمتي على ثلاث سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قالوا: من هي يا رسول الله قال: (ما أنا عليه وأصحابي) حسن صحيح.
فأنّىَ لأحدٍ أن يأتي من بعدهم بأحسن مما جاءوا به، أو يسلك سبيلا أهدى مما كانوا عليه.
قال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {100}))، التوبة.
فلا شك أن بناء مسجدٍ فوق صخرة بيت المقدس هو خروج واضح عن منهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي حمله أصحابه الكرام رضى الله عنهم من بعده، ولا شك أنه اتباعُ لغير سبيل المؤمنين.
فما خشيه الفاروق وقع، وما أنكره جاء بعده من أقره، فهو ما أنكر بناء مسجدٍ على الصخرة إلا حماية لجناب التوحيد، وتنزيهاً للعقيدة الصحيحة من معتقدات المشركين في الحجر والشجر، ولكن:
((فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا {60}))، مريم.
نعم خلف من بعدهم خلف عظّموا الحجر، واتخذوه مسجداً، ورفعوا فوقه القباب وكسوها بالذهب!.
انظر إلي صورة ذلك المسجد من الداخل وتأمل كيف أنه مبنيٌ حول الصخرة، فهي مَركَزُهُ وهو محيط بها،، والقبة الذهبية مرفوعة من فوقها تغطيها وتحيط بها!.
¥