وكمثال آخر: عامل عمره 32 عاما يعمل في مصنع للأجهزة الإلكترونية وعمله أن يوصل شيئا بشيء آخر لكنه قبل أن يبدأ العمل يشعر أن عليه أن يدق بيده اليمنى على الطاولة 3 مرات ثم باليد اليسرى 3 مرات وأن تتلوها 3 دقات على الأرض بالرجل اليمنى و 3 بالرجل اليسرى ومع الزمن صار يشك في انه أنجز هذه الدقات بالتتابع المطلوب فيعيد إجراء جميع الدقات مرة أخرى ثم يشك مرة أخرى وهكذا حتى أصبح يمضي معظم وقت عمله في هذه الطقوس مما استدعى إخراجه من العمل.
الشخصية الوسواسية: يتميز أصحاب هذه الشخصية بأنهم يهتمون جدا بالسيطرة على تصرفاتهم وعلى محيطهم، وتراهم حذرين، مفكرين، متعمدين وغير عفويين، جافين، وليست لديهم روح النكتة، ويهتمون بدقة الألفاظ أو اللغة وبخاصة في الحالات الشديدة، وهم يؤكدون اهتمامهم بمنطقية الاشياء على حساب العواطف والحدث ونتيجة لذلك تظهر عليهم الجدية والبرود العاطفي، ومن ناحية أخرى تتوافر لديهم الأمانة وحيوية الضمير والتشبث بالهدف والاعتمادية. وبالإضافة الى تقيدهم وسيطرتهم على أنفسهم، فإنهم يحبون أن يلزموا الآخرين والأشياء بهذا النظام والسيطرة ويكونون عنيدين إذا ما خالفهم أو تحداهم احد كما أنهم يلتزمون بالعدالة والأمانة ويحرصون على ما يملكون ويصرفون أموالهم بحرص واضح.
إن هذه الشخصية لا تعني أنهم أكثر استعدادا للإصابة بمرض الوسواس القهري ولا تسبب لهم أية معاناة شخصية إلا إذا وصلت درجة عالية من التطرف.
سير حالة الوسواس القهري ومصيرها: بصورة عامة يسير هذا المريض سيرا مزمنا وكثيرا ما يسير بشكل متقطع أي تتخلله فترات من زوال الأعراض قد تطول أو تقصر ومن مؤشرات المصير الجديد:
- قصر المدة بين بدء المرض ومراجعة الطبيب المختص.
- أن تكون هناك عوامل بيئية سلبية لها علاقة أو مصاحبة لبدء المرض
- أن يكون المحيط الذي سيعود إليه المريض بعد العلاج محيطا اجتماعيا متفهما وداعما.
- كلما كان تكيف المريض الاجتماعي وعلاقته مع الناس أفضل كانت إمكانية الشفاء أفضل.
وقد وجد إحصائيا أن 25% من الحالات تشفى و 50% تتحسن و25% تبقى كما هي أو تتجه نحو الأسوأ.
الأوجه الاجتماعية: قد يسبب هذا المرض معاناة كبيرة للمريض ولأسرته وقد يفقده وظيفته وبالتالي دخله وحياته الاجتماعية وقد تكون الطقوس شديدة ومتكررة لدرجه لا يساعد فيها المصاب أو المصابة في إدارة شؤون المنزل والخوف من التلوث والقذارة المبالغ فيه قد يدفع الأسرة الى تغيير المنزل والتنقل بكثرة وفي بعض الحالات قد يؤدي الى العزلة عن المجتمع لان الزوار لا يشجعون على الزيارة خوفا من تلويثهم للمنزل وفي بعض الحالات الشديدة قد يجبر الاطفال على خلع ملابسهم لدى دخولهم باب المنزل خوفا من التلوث وقد يؤدي الجدال حول هذه الأعراض الى الشجار الأسري وربما الطلاق.
أسبابه: لا تعرف الأسباب لهذا المرض حتى الآن وقد ظلت نظريات الأرواح الشريرة والجن والشياطين هي السائدة حتى أواخر القرن التاسع عشر وبعد ذلك سادت نظريات التحليل النفسي ونظرية التعلم إلا أن الاتجاه الحالي يميل نحو التفسير البيولوجي مع إبقاء الأحداث والصراعات النفسية والوراثة كعوامل ممكنه في إحداث الخلل البيولوجي.
التفسير البيولوجي العصبي:
- الخلل في وظائف السيروتونين:
وجاء ذلك من الدلائل على فعالية دواء clomipramine وهو دواء ثلاثي الحلقات مضاد للاكتئاب يعمل بشكل رئيسي على السيروتونين وتحسن مرضى الوسواس القهري عليه ولكن لا تزال هناك شكوك حول كون السيروتونين هو العامل الوحيد.
- الخلل في وظائف الدوبامين:
ويستدل على ذلك من كون متلازمة توريت يرافقها الوسواس القهري في 30% من الحالات وكذلك فان إعطاء المنبهات العصبية مثل الامفيتامين يزيد من أعراض الوسواس القهري.
- اثر الغدد الصماء:
أظهرت دراسات متعددة زيادة الأعراض عند سن البلوغ وقبل الطمث الشهري عند الفتيات.
- تعتبر حالة قضم الأظافر وحالة نتف الشعر من مظاهر السلوك القهري.
- الخلل في وظائف الأنوية القاعدية والدليل وجود الأعراض القهرية عند المرضى المصابين بالعرات الحركية ومرض توريت. كذلك اتضح أن التداخل الجراحي الذي يفصل الأنوية القاعدية للدماغ عن الفص الجبهي للدماغ له تأثير شفائي على حالة الوسواس القهري والعمليات الجراحية المفضلة هذه الأيام لعلاج الوسواس القهري هي ( cingulotomy capsulectomy) .
العلاج
العلاج النفسي:
ما زال بعض المعالجين النفسيين التحليليين يعتقدون أن الوساوس الطقوسية هي أعراض لصراعات نفسية ذات طبيعة عدوانية وهذا العلاج غير مجد كما أن طرق علاج المرض لم تثبت نجاحها.
أما العلاج النفسي الداعم الذي يتضمن توضيح المرض وعلاجه التعاطف مع معاناة المريض تشجيع المريض، إعطاء الأمل بالشفاء وذلك مع العلاجات الأخرى فقد ثبت نجاحها في جميع الحالات.
العلاج السلوكي:
طريقة التعرض ومنع الاستجابة أظهرت 20 دراسة أن هذه الطريقة فعالة على المدى القصير والمدى الطويل في معظم المرضى. فقد تبين أن 51% من المرضى تلاشت الأعراض عندهم و 39% تحسنوا و10% لم يستفيدوا. وتتلخص هذه الطريقة في الطلب من المرضى أن يتعرضوا أو يعرضوا أنفسهم للأشياء التي يخافون منها أو التي يتجنبوها خوفاً من حصول القلق أو الإزعاج أو الاشمئزاز ويجري أيضا منعهم من الاستجابة عن طريق تأجيل عمل الطقوس أو اختصارها أو الامتناع عنها. مثلاً مريض يخاف من الجراثيم يطلب منه أن يصافح ويمسك يد الباب و التليفونات العامة مع إقناعه أو منعه من غسل يديه بعد ذلك. وهناك طرق أخرى في العلاج السلوكي مثل thought stopping.
العلاج الدوائي:
ان اكثر ألا دويه دراسة هو ال clomiprmine وكذلك fluoxetine، fluvoxamine من الأدوية الحديثة ( SSRI).
العلاج الجراحي النفسي psychosurgery
أن معظم المرضى يتجاوبون مع مزيج من العلاج السلوكي والأدوية المثبطة لعودة السيروتونين ( SSRI) إلا أن بعض الحالات تبقى عنيدة على كل العلاج.
إعداد: د. منير نصر
أخصائي الطب النفسي
)
انتهى
http://www.alamal.med.sa/med_article4.shtml
¥