وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، وضعف الإيمان، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد.
لا إله إلا الله. صدق - رحمه الله-.
ولكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا.
اللهم اجعلنا منهم. وثبتنا على صراطهم حتى نلقاك يا أرحم الراحمين.
وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق.
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله، وبكل ما ينسب إليه، وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد.
فمع هذه الشرور المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، والمزعجات الملمة، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث.
ولكن مع ذلك، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات.
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " و" حسبنا الله ونعم الوكيل. على الله توكلنا. اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى. وأنت المستعان. وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. وبزوال بعض الشر وتخفيفه، إذا تعذر غير ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 2، 3، 4]
حسبنا الله ونعم الوكيل.
الأخ المبارك السديس: جزاكم الله خير الجزاء على هذه الموعظة، التي ما أحوجنا إليها في زمن ادلهمت فيه الخطوب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والله المستعان.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[05 - 04 - 07, 12:54 م]ـ
بارك الله فيكم وشكر لكم
ـ[الجبرتي]ــــــــ[05 - 04 - 07, 12:56 م]ـ
شكر الله لكم وبارك فيكم
ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[05 - 04 - 07, 02:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
جزا الله تعالى الشيخ الكريم/ عبدالرحمن السديس كل خير.
ـ[عبد]ــــــــ[05 - 04 - 07, 02:50 م]ـ
اختيار موفق كعادتك في كل مشاركاتك، و أسأل الله عز وجل أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
ـ[تامر حفني]ــــــــ[05 - 04 - 07, 04:05 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[كريم أبو أمامة]ــــــــ[06 - 04 - 07, 01:12 ص]ـ
شيخنا الفاضل السديس جزاكم الله خيرا ...
آه ... آه لو تروا حالنا ... فنحن هنا لايسعنا إلا أن نقول:
إنا لله وإنا إليه راجعون ...
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[06 - 04 - 07, 11:02 ص]ـ
الأخوة الكرام
جزاكم الله خيرا
ونسألأ الله أن يطلق بالمسلمين ويربط على قلبوهم وينصرهم على عدوهم.
ـ[أبو عبد الأعلى]ــــــــ[06 - 04 - 07, 12:28 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[06 - 04 - 07, 02:11 م]ـ
الأخوة الكرام
جزاكم الله خيرا
ونسألأ الله أن يطلق بالمسلمين ويربط على قلبوهم وينصرهم على عدوهم.
ونسأل الله أن يلطف بالمسلمين ويربط على قلوبهم ...
آمين.
أخي السديس: هدّئ السرعة:)
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[06 - 04 - 07, 03:40 م]ـ
ومعها أيضا: الأخوة!
جزاك الله خيرا، والظاهر أني أستحق غرامة:)
لكن من عذري ضعفي أصلا في الكتابة وكتبته قبل صلاة الجمعة مسرعا.
¥