تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سمى الله سبحانه وتعالى الذين يطيعون من جادلهم من أهل الباطل في حل ما لم يذكر اسم الله عليه مشركين وذلك في قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [3] وليس هذا عبادة لهم ولا دعاء لهم من دون الله ولكنهم أطاعوهم في تحليل ما حرم الله فكانوا بذلك من المشركين، فكيف بمن يرجو البركة من الأموات ويدعوهم من دون الله أو مع الله سبحانه. والمقصود أن الشرك بالله أمره عظيم وخطره جسيم ولذلك جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة إليه من أي باب، مثل: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة، وشد الرحال لزيارة المقابر، وتجصيص القبور واتخاذها عيدا - أي زيارتها في أوقات محددة متكررة كما يتكرر العيد - واتخاذ السرج عليها إلى غير ذلك.

(الملاحظة الثانية):

أما ما يتعلق بعلم الغيب فلا شك أن المراقبين حين انتقدوا ما ذكره فضيلتكم عن الغيب لم يكن لهم هوى أو قصد سيئ، لأنا نعلم نزاهتهم بحمد الله وبعدهم عن أن يقصدوا أحدا بضرر أو سوء ظن وإنما هو ظاهر عبارتكم حين قلتم ما نصه: (فلنلاحظ كيف أن القرآن سلب الإنسان الوصول إلى مفاتح الغيب ولكنه لم يسلب عنه معرفة الغيب ذاته) إلخ، ولم توضحوا بعد ذلك أن الغيب في الجملة علمه إلى الله وحده، وإنما الإنسان يستخرج بعض الغيب بالطرق التي أباحها الله كالتنقيب عن كنوز الأرض وما في البحار وكالحساب للكسوفات ونحوها حتى تبرءوا مما نسبه إليكم المراقبون، ولا يخفى أن الله سبحانه كما أنه جعل مفاتح الغيب عنده نفى علم الغيب عن غيره فقال سبحانه في سورة النمل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [4] وقال عز وجل في آخر سورة هود: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [5] الآية.

فاتضح من الآيتين وما جاء في معناهما في الكتاب والسنة أن علم الغيب على الإطلاق إلى الله وحده وإنما يعلم منه ما نص عليه الكتاب العزيز أو صحت به السنة أو استخرجه الإنسان في الطرق التي علمه إياها مولاه سبحانه وهداه إليها مما وقع في هذا العصر أو قبله ومما سيقع في المستقبل مما لا يعلمه الناس اليوم، فأرجو تأمل ما ذكرته لكم ليتضح لكم خطأ عبارتكم ودلالتها على ما ذكره المراقبون، ولعلكم في المستقبل توضحون ما يزيل الشك ويوضح الحق، والهدف هو التناصح والتعاون على الخير والتحذير مما يخالف الكتاب والسنة والحق ضالة المؤمن متى وجدها أخذها.

وأما ما ذكرتم عن الفناء بشهود المكون عن الأكوان، وما نقلتموه عن شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك من ذم هذه الحال لكنها لا تصل إلى الكفر البواح فقد فهمته، ولكن ما ذكرته الرقابة في ذلك من أنه كفر بواح وجيه وصحيح إذا كان الفاني معه عقله ونطق بمثل ما نقل عن أبي يزيد البسطامي (ما في الجبة إلا الله) وكقول بعضهم: (أنا الحق أو سبحاني)، أما إذا كان الناطق لمثل هذان محكوما عليه بزوال العقل كما أشار إليه أبو العباس بما نقلتم عنه فإن عذره وجيه لرفع القلم عن من زال عقله.

وقد ذكر هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله في المجلد الأول من " مدارج السالكين " من ص 155 إلى 158، وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والبصيرة في حقه وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن ونزغات الشيطان إنه خير مسئول.

وأما ما أشرتم إليه من جهة الاحتفال بالموالد وأنه لا شك أنها بدعة إذا فهمت أنها عبادة. . . إلخ فأقول: لا ريب أن المقيمين لحفلات الموالد يعتقدون أنها عبادة ويتقربون إلى الله بذلك، وبذلك يعلم أنها بدعة بلا شك. لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولم يأذن فيها ولم يقرها ولم يفعلها أصحابه رضي الله عنهم وهم خير القرون وأكمل الناس حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم الناس بالشرع المطهر، وهكذا من بعدهم في القرون المفضلة، هذا لو سلمت من المنكرات الأخرى وأنى لها السلامة مع ما غلب على أكثر النفوس من الجهل والغلو، وقد يقع فيها من الشرك الأكبر وكبائر الذنوب ما لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير