يخفى على مثلكم.
ولو فرضنا أن المحتفلين بالموالد لم يقصدوا بها القربة فإنها بذلك تعتبر تشبها باليهود والنصارى في إقامة الأعياد لأنبيائهم وعظمائهم والتشبه بهم ممنوع بالنص والإجماع كما أوضح ذلك أبو العباس ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" لا عملا بالأحاديث الصحيحة ومنها: ما خرجه الإمام أحمد بسند جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) فأرجو تدبر هذا الموضوع كثيرا طلبا للحق وحرصا على براءة الذمة وحذرا من الوقوع فيما حرمه الله. والله المستعان.
أما دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم في المدارس والمعاهد والكليات وفي الخطب فلا بأس بذلك بل ذلك من القربات ومن نشر العلم، وهكذا وعظ الناس وتذكيرهم بسيرته وسنته بين وقت وآخر كل ذلك مما يعلم من الدين بالضرورة أنه مطلوب ومشروع، رزقني الله وإياكم وسائر إخواننا المزيد من العلم النافع والعمل الصالح مع حسن الفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم إنه خير مسئول.
خاتمة:
اطلعت على الفصل الذي أشرتم إليه في رسالتكم وقرأته بتدبر فوجدته فصلا مفيدا نافعا، ضاعف الله مثوبتكم وزادني وإياكم من العلم والهدى وقد لاحظت عليه بالإضافة إلى ما سبق ما يلي:
1 - قلتم في ص 218 (وقد أجمعت الأمة على أن الإكثار من الصلاة على سيدنا محمد خير جلاء للقلب وأفضل طهور للنفس) إلخ، اهـ هذا القول فيه نظر، ولو قلت: (على أن الإكثار من الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من خير جلاء للقلب ومن أفضل طهور للنفس) إلخ لكان أولى، أما كون ذلك (خير جلاء) فلا يظهر لي وجهه، والصواب: أن خير جلاء للقلوب هو ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه الكريم، وإذا انضم إلى ذلك الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان خيرا إلى خير، ومما يدل على ذلك قوله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [6] وقوله صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله)) الحديث، رواه الشيخان وهذا لفظ مسلم، وهكذا حديث عبد الله بن عمرو: ((وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله))) الحديث، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وإنما القصد الإشارة والتذكير.
2 - قولكم في الهامش ص 219 ذكر ابن حجر الهيثمي في كتابه: " الدر المنضود " نقلا عن بعض أهل العلم: (أن المسلم إذا فقد المرشد الكامل) إلخ. ليس بجيد بل وليس بصحيح، فإن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني عن طلب العلم بل ولا الإكثار من ذكر الله لا يغني عن طلب العلم، فالواجب على من فقد المرشد أن لا يخضع للكسل وترك طلب العلم بل يجب عليه أن يطلب العلم من مظانه مع الإكثار من ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. لأن الله سبحانه يعينه بهذا الإكثار على تحصيل المطلوب، وسبق أن نبهنا أنه ليس هناك مرشد كامل على الحقيقة سوى الرسل عليهم الصلاة والسلام، بل كل عالم وكل داع إلى الله لا بد فيه من نقص والله المستعان، وبهذا يعلم فضيلتكم أن الأولى حذف هذا التعليق.
3 - يظهر من سياق كلامكم في ص 220 - التعليق -: وهو: (قلت لواحد من هؤلاء بعد أن انتهينا ذات ليلة من صلاة التراويح فلندع الله في ختام صلاتنا هذه. . .) إلخ - أنكم أردتم الدعاء الجماعي ولهذا رفض ذلك الشخص الذي أشرتم إليه، والذي يظهر لي أن الصواب معه في هذا الشيء. لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما أعلم أنهم دعوا بعد الصلوات الخمس أو بعد التراويح دعاء جماعيا. أما الدعاء بين العبد وبين ربه بعد صلاته أو في آخر التحيات قبل السلام فهذا مما جاءت به السنة، ولكنه قبل السلام أفضل. لكثرة الأحاديث في ذلك كما نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم رحمة الله عليهما والدعاء الذي ذكرتم عن سعد أخبر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو به في دبر كل صلاة فيحتمل أنه كان قبل السلام ويحتمل أنه بعد السلام، وعلى كل حال فليس فيه حجة على الدعاء الجماعي، فأرجو تدبر الموضوع ومراجعة كلام أهل العلم في ذلك.
هذا ما تيسر لي من الجواب عما أشكل عليكم رغم كثرة المشاغل وضيق الوقت. وأسأل الله أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن، إنه خير مسئول.
[1]- سورة نوح الآية 23.
[2]- سورة الأعراف الآية 138.
[3]- سورة الأنعام الآية 121.
[4]- سورة النمل الآية 65.
[5]- سورة هود الآية 123.
[6]- سورة الرعد الآية 28.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[07 - 04 - 07, 05:41 م]ـ
ألا رحمة الله على جسدك الطيب يابن باز فقد أتعبت من بعدك:
أخ وَأبٌ بَرٌّ وَأُمٌّ شَفِيقةٌ ... تَفَرَّقَ فِي الأَبْرَارِ مَا هُوَ جَامِعُهْ
سَلَوْتُ بِهِ عَنْ كُلِّ مَن كَان قَبْلَهُ ... وَأذْهَلنِي عَنْ كُلِّ مَا هُوَ تَابِعُهْ
¥