أستميحك عفوًا أيها القارئ الكريم إذا أتعبتك بذكر تطورات التقويم وتغير مواعيد الأعياد، إذ قد لخصتها من عدة مواضع من كتاب "تاريخ الحضارة المصرية، ومن بحث للدكتور عبد الحميد لطفي في مجلة الثقافة " عدد 121" لسنتها الثالثة في 22/ 4/1941م ومن منشورات بالصحف: الجمهورية 15/ 4/1985، والأهرام 20/ 4/1987، 11/ 4/1988 فإني قصدت بذلك أن تعرف أن عيد الربيع الحقيقي ثابت في موعده كل عام، لارتباطه بالتقويم الشمسي، أما عيد شم النسيم فإنَّه موعد يتغير كل عام لاعتماده مع التقويم الشمسي على الدَّوْرة القمرية، وهو مرتبط بالأعياد الدينية غير الإسلامية، ولهذه الصفة الدينية زادت فيه طقوس ومظاهر على ما كان معهودًا أيَّام الفراعنة وغيرهم، فحرص الناس فيه على أكل البيض والأسماك المُملَّحة، وذلك ناشئ من تحريمها عليهم في الصوم الذي يُمسكون فيه عن كل ما فيه روح أو ناشئ منه، وحرصوا على تلوين البيض بالأحمر؛ ولعل ذلك لأنه رمز دم المسيح على ما يعتقدون وقد تفنن الناس في البيض وتلوينه حتى كان لبعضه شهرة في التاريخ.
فقد قالوا: إن أشهر أنواع البيض بيضة هنري الثاني التي بعث بها إلى" ديانادي بواتييه" فكانت عُلبةَ صَدَفٍ على شكل بيضة بها عقد من اللؤلؤ الثمين، كما بعث لويس الرابع عشر للآنسة " دى لا فاليير" علبة بشكل بيضة ضمَّنها قطعة خشب من الصَّليب الذي صُلب عليه المسيح، ولويس الخامس عشر أهدى خطيبته " مدام دى باري" بيضة حقيقة من بيض الدجاج مَكسوَّة بطبقة رقيقة من الذهب، وهي التي قال فيها الماركيز "بولفر" لو أنها أُكِلت لوجَبَ حفظ قِشْرتها" مهندس / محمد حسن سعد – الأهرام 25 من أبريل 1938.
وقيصر روسيا " الإسكندر الثالث " كلف الصائغ " كارل فابرج" بصناعة بيضة لزوجته 1884م، استمر في صنعها ستة أشهر كانت مُحلَّاة بالعقيق والياقوت، وبَيَاضُها من الفضة وصَفَارُها من الذهب، وفي كل عام يهديها مثلها حتى أبطلتْها الثورة الشيوعية 1917م.
وبعد، فهذا هو عيد شم النسيم الذي كان قوميًّا ثم صار دينيًّا، فما حُكم احتفال المسلمين به؟ لا شك أن التَّمتُّع بمباهج الحياة من أكل وشرب وتَنَزُّه أمْر مباح ما دام في الإطار المشروع، الذي لا تُرتكب فيه معصية ولا تُنتهك حرمة ولا يَنبَعِث من عقيدة فاسدة، قال تعالى: {يَا أَيُّها الذينَ آمَنوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [سورة المائدة: 87]، وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [سورة الأعراف: 32] لكن هل للتزين والتمتُّع بالطيبات يوم معين أو موسم خاص لا يجوز في غيره، وهل يتحقق ذلك إلا بنَوْع من المأْكولات والمشروبات، أو بظواهر خاصة؟
هذا ما نُحب أن نَلْفِتَ الأنظار إليه. إن الإسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرُّفه على وعْي صحيح وبُعْد نَظَر، لا يندفع مع التيار فيسير حيث يسير ويميل حيث يميل، بل لا بد أن تكون له شخصية مستقلة فاهمة، حريصة على الخير بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا يبغي أن يكون كما قال الحديث" إمَّعة" يقول: إن أحسَنَ الناس أحسنتُ، وإن أساءوا أسأتُ، ولكن يجب أن يُوطِّن نفسه على أن يُحسن إن أحسنوا، وألا يُسيء إن أساءوا، وذلك حفاظًا على كرامته واستقلال شخصيته، غير مُبالٍ بما يوجَّه إليه من نقد أو استهزاء، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهانا عن التقليد الذي من هذا النوع فقال «لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» رواه البخاري ومسلم.
فلماذا نحْرص على شَمِّ النَّسيم في هذا اليوم بِعَينه والنسيم موجود في كل يوم؟ إنَّه لا يعدو أن يكون يومًا عاديًّا من أيام الله حكمه كحُكْم سائرها، بل إنَّ فيه شَائبةً تُحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهي ارتباطُه بعقائد لا يُقرُّها الدِّين، حيث كان الزَّعم أنَّ المسيح قام من قبره وشَمَّ نسيم الحياة بعد الموت.
ولماذا نحرص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أنَّ الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم أردأ منه في غيره أو أغلى ثمنًا.
إن هذا الحرص يُبرِّر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين والخلُق والكرامة ممنوعة لا يُقرِّها دين ولا عقل سليم والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " مَن التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس، ومَن التمس رضا الناس بِسَخَطِ الله وَكَلَهُ الله إلى الناس" رواه الترمذي ورواه بمعناه ابن حِبَّان في صحيحه.
الشيخ عطية صقر
ـ[تلميذة الأصول]ــــــــ[14 - 04 - 07, 02:17 ص]ـ
معلومات قيمة،،شكر الله لك،،
¥