تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما قال ابن القيم أقسم سبحانه بأجل مقسم به وهو نفسه عز وجل على أنه لا يثبت لهم الايمان ولا يكونون من أهله حتى يحكم لرسوله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع وفي جميع أبواب الدين فإن لفظة ما من صيغ العموم ولم يقتصر على هذا حتى ضم اليه انشراح صدورهم بحكمه بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجا وهو الضيق والحصر من حكمه بل يقبلون حكمه بالإنشراح ويقابلونه بالقبول لا يأخذونه على إغماض ويشربونه على قذى فإن هذا مناف للإيمان بل لابد أن يكون أخذه بقبول ورضى وانشراح صدر ومتى أراد العبد شاهدا فلينظر في حاله ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره فسبحان الله كم من حزازة في نفوس كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد وكم من حرارة في أكبادهم منها وكم من شجى في حلوقهم من موردها ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم اليه قوله ويسلموا تسليما فذكر الفعل مؤكدا له بالمصدر القائم مقام ذكره مرتين وهو الخضوع والانقياد لما حكم به طوعا ورضى وتسليما لا قهرا أو مصابرة كما يسلم المقهور لمن قهره كرها بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شيء اليه يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليماته انتهى.

وقد ورد في الصحيح أن سبب نزولها قصة الزبير لما اختصم هو والأنصاري في شراج الحرة ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإذا كان سبب نزولها مخاصمة في مسيل ماء قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء فلم يرضه الأنصاري فنفى تعالى عنه الإيمان بذلك فما ظنك بمن لم يرض بقضائه صلى الله عليه وسلم وأحكامه في أصول الدين وفروعه بل إذا دعوا إلى ذلك تولوا وهم معرضون ولم يكفهم ذلك حتى صدوا الناس عنه ولم يكفهم ذلك حتى كفروا أو بدعوا من اتبعه صلى الله عليه وسلم وحكمه في أصول الدين وفروعه ورضي بحكمه في ذلك ولم يبغ عنه حولا.

وقوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم.

المعنى والله أعلم أي لو اوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني اسرائيل من قتلهم أنفسهم أو خروجهم من ديارهم حين استتبوا من عبادة العجل ما فعلوه إلا قليل منهم وهذا توبيخ لمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد الشجار أي نحن لم نكتب عليهم ذلك بل إنما أوجبنا عليهم ما في وسعهم فما لهم لا يحكمونك ولا يرضون بحكمك.

ثم قال تعالى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا واذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما.

قال ابن القيم أخبر تعالى أنهم لو فعلوا ما يعظهم به وهو امره ونهيه المقرون بوعده ووعيده لكان فعل أمره وترك نهيه خيرا لهم في دينهم ودنياهم وأشد تثبيتا لهم على الحق وتحقيقا لإيمانهم وقوة لعزائمهم واراداتهم وثباتا لقلوبهم عند جيوش الباطل وعند واردات الشبهات المضلة والشهوات المردية فطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هي سبب ثبات القلب وقوته وقوة عزائمه وثبات القلب عليها ومخالفته تثمر زيغ القلب واضطرابه وعدم ثباته ثم قال تعالى وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما فهذه أربعة أنواع من الجزاء المرتب على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أحدها حصول الخير المطلق بها الثاني التثبت والقوة المتضمن للنصر والغلبة والثالث حصول الأجر العظيم لهم في الآخرة والرابع هدايتهم الصراط المستقيم وهذه الهداية هي هداية ثانية اوجبتها طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فطاعته صلى الله عليه وسلم ثمرة الهداية السابقة عليها فهي محفوفة بهدايتين هداية قبلها وهي سبب الطاعة وهداية بعدها هي ثمرة لها وهذا يدل على انتفاء هذه الأمور الأربعة عند انتفاء طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

ثم قال تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير