فقوله: "العلوي الفاطمي هو خيرة الخيرة من قريش، وأعلاها شرفاً وبيتاً، ولا ينفي ذلك صحتها في سائر بطون قريش كما تدل عليه الأحاديث" يفهم منه فضل النسب العلوي الفاطمي واستحقاقه بالإمامة، ولكن هذا لا ينفي أن يتولى الإمامة من هو أقل فضلاً من العلوي الفاطمي، شريطة أن يكون قرشياً كما دلت الأحاديث على ذلك.
و" القول بجواز إمامة المفضول، ذهب إليه أكثر أهل السنة والجماعة وأكثر المعتزلة وأكثر الخوارج " (9) "إذ المعتبر في ولاية كل أمر معرفة مصالحة ومفاسده وقوة القيام بلوازمه ورب مفضول في علمه وعمله هو بالزعامة أعرف وبشرائطها أقوم" (10).
وسئل الإمام أحمد: "عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزو؟ فقال: أما الفاجر القوي، فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزو مع القوي الفاجر" (11).
والقول "بجواز إمامة المفضول بوجود من هو أفضل منه هو أحد أقوال الشيعة الزيدية" (12).
وكذلك نجد الإمام الشوكاني يثبت إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فحين استعرض طرق انعقاد الإمامة قال: "ومن طريقها أن يعهد الخليفة للآخر كما وقع مع أبي بكر لعمر ولم ينكر ذلك الصحابة، ومن طرقها أيضاً أن ينص الإمام الأول على واحد من جماعة يتوالون عليه ويبايعون كما فعل عمر إلى أولئك النفر من الصحابة ولم ينكر ذلك عليه" (13) فاعتباره بطريقة تولي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما دليل على إثبات خلافتهما رضي الله عنهما.
مناقشة موقف الإمام الشوكاني من الإمامة:بعد عرض موقف الإمام الشوكاني –رحمه الله تعالى- من الإمامة، نريد أن نناقش هذا الموقف الذي اتخذه في هذه المسألة.
من الملاحظ أن رسالة الإمام الشوكاني (العقد الثمين) كانت مجالاً لدراسة بعض الدارسين في تحديد منهج الإمام الشوكاني، ومدى اتفاقه أو اختلافه مع فرقة الشيعة الزيدية، فيرى البعض أن الشوكاني زيدي المذهب، قبل، وبعد اجتهاده، وحتى وفاته، وقد استدل صاحب هذا الرأي بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي رضي الله عنه التي أفرد لها الشوكاني رسالة خاصة سماها "العقد الثمين في إثبات الوصية لأمير المؤمنين"، وأشار إلى أن تفتحه على أهل السنة أو إعراضه عن علم الكلام، يمثل تسامح المذهب الزيدي، وتجديد أصوله (14).
فإذاً كانت الرسالة عند صاحب هذا الرأي هي الحكم الفاصل في بيان منهج الإمام الشوكاني، وأنه زيدي المذهب، لأن فيها إثبات الوصاية بالإمامة وغيرها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ما يقول به الشيعة الزيدية، وكذلك الدفاع عن المنهج الشيعي في قولهم بالوصاية.
- بينما يرى البعض أن رسالة "إثبات الوصية" لم تُثبت الإمامة أو الخلافة لسيدنا علي رضي الله عنه، بل أوردت وصايا عامة للمسلمين كأداء الصلاة، والزكاة، وعدم مفارقة الجماعة، والطاعة، والتحذير من الفتن وغيرها، ووصايا خاصة لسيدنا علي رضي الله عنه تضمنت اهتمامه بريحانتيه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وبتغسيله، وقضاء دينه، وغيرها، ولم تتضمن الوصية بالخلافة في الحكم (15). وبنفس الفكرة قال محقق كتاب (قطر الولي) (16).
- ويرى بعض الدارسين بأن الشوكاني لا يتقيد بالمذهب الزيدي، ولا بمذاهب أهل السنة الأربعة المشهورة، ولا بالمذهب الأشعري أو المعتزلي، وإنما ديدنه البحث عن الدليل، بمنهج علمي، خال من التمذهب المسبق (17).
هذا عن موقف الدارسين من رسالة الإمام الشوكاني (العقد الثمين)، والذي يراه الباحث أن الرسالة تفيد إثبات الوصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما هو مسماها، ولكن الخلاف في تحديد هذه الوصية (18). والقول بأنها لا تفيد إثبات الإمامة لعلي رضي الله عنه يدحضه أن مفهوم الوصية عند الزيدية والإمامية هو الوصية بالإمامة (19) ورغم أن تفصيل الشوكاني في مسألة الوصية قد يوهم أنه لا يريد الوصية بالإمامة خاصة، إلا أن استشهاده بالأحاديث التي استدل بها الشيعة عموماً ضعفت من هذا الاحتمال، وتدل على أن الشوكاني قد قال بقول الشيعة في الإمامة، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصي للرسول صلى الله عليه وسلم.
¥