وقد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتاباً، وما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب.
وإن كان في السلف سادات إلا أن أكثرهم غلب عليه فن، فنقص من الآخر، فمنهم من غلب عليه العلم، ومنهم من غلب عليه العمل، وكل هؤلاء كان له الحظ الوافر من العلم، والنصيب الأوفى من المعاملة والمعرفة.
ولا يأس من وجود من يحذو حذوهم، وإن كان الفضل بالسبق لهم. فقد أطلع الله عز وجل الخضر على ما خفى من موسى عليهما السلام.
فخزائن الله مملوءة، وعطاؤه لا يقف على شخص.
ولقد حكي لي عن ابن عقيل أنه كان يقول عن نفسه: أنا عملت في قارب ثم كسر، وهذا غلط فمن أين له؟ فكم معجب بنفسه كشف له من غيره ما عاد يحقر نفسه على ذلك، وكم من متأخر سبق متقدماً، وقد قيل:
إن الليالي والأيام حاملةٌ ... وليس يعلم غير اللّه ما تلد
أبو عبد الرحمن حفظك الله لا يخفاك أني لا أفضل على العلم غيره من صنوف الطاعات إلا أني أريد أن أقتفي أثر من سبقني من أهل العلم والعمل فإني قد رأيت وقرأت كما رأيت وقرأت يا شيخ خالد من علم لا أثر له على صاحبه فأحدث نفسي كيف ذلك؟ فلعله كما استقر فهمي عليه أنه من أثر العلم الذي لم تسبقه تزكية ولم يكن إلا وبال على صاحبه عافانا الله وإياهم وغفرلنا ولهم أهل ذلك ومولاه سبحانه وتعالى. فلعلك سلمك الله أطلعت على هذا النقل الذي أعيده عليك الآن
قال ابن القيم رحمه الله:
ومثال ما عرض لهذا الصنف مع الشرع مثال ما يعرض في خبز البر مثلا الذي هو الغذاء النافع لأكثر الأبدان أن يكون لأقل الأبدان ضارا وهو نافع للأكثر وكذلك التعليم الشرعي هو نافع للأكثر وربما ضر الأقل (الصواعق 2/ 412)
أخشى أن أكون من هذه الفئة يا شيخ خالد.
إخواني الكرام لست كما قد تظنون من الورع والزهد والخشية ولكن هذا أمر رأيت أنه يستحق أن أستخير الله فيه وأستشير قبل أن أكمل الطريق فيه ... فالأمة لا تعدم إن شاء الله أمثالكم من حملة الشرع ... والله المستعان
ـ[عبد الله بن صالح بن أحمدبن علي]ــــــــ[28 - 04 - 07, 03:56 ص]ـ
فائدة من مدارج السالكين لابن القيم (رحمه الله) أهديها للأخ عبد الله. بل ولكل الإخوة والأخوات (وفقهم الله جميعا لما يحبه ويرضاه)
قال رحمه الله تعالى:
وأما ضبط السرور، فلا يقدر عليه إلا الأقوياء أرباب العزائم، الذين لا تسفزهم السراء فتغلب شكرهم، ولا تضعفهم الضراء فتغلب صبرهم، كما قيل:
لا تغلب السراء منهم شكرهم .......... كلا. ولا الضراء صبر الصابر
والنفس قرينة الشيطان ومصاحبته، وتشبهه في صفاته، ومواهب الرب تبارك وتعالى تنزل على القلب والروح. فالنفس تسترق السمع، فإذا نزلت على القلب تلك المواهب، وثبت لتأخذ قسطها منها، وتُصَيِّره من عدتها وحواصلها،. فالمسترسل معها، الجاهل بها، يدعها تستوفي ذلك، فبينا هو في موهبة القلب والروح وعدتها وعدة وقوة له، إذ صار ذلك كله من حاصل النفس وآلتها، وعددها، فصالت به وطغت، لأنها رأت غناها به، والإنسان يطغى أن رآه استغنى بالمال، فكيف بما هو أعظم خطراً، وأجل قدراً من المال، بما لا نسبة بينهما، من علم، أو حال، أو معرف، أو كشف؟
فإذا صار ذلك من حاصلها، انحرف به ـ ولا بد ـ إلى طرف مذموم، من جرأة، أو شطح، أو إدلال، ونحو ذلك.
فوالله كم ههنا من قتيل، وسليب، وجريح يقول: من أين أُتيت؟ ومن أين دُهيت؟ ومن أين أُصبت؟
وأقل ما يعاقب به من الحرمان بذلك: أن يغلق عنه باب المزيد، ولهذا كان العارفون وأرباب البصائر إذا نالوا شيئاً من ذلك، انحرفوا إلى طرف الذل والانكسار، ومطالعة عيوب النفس، واستدعوا حارس الخوف، وحافظوا على الرباط بملازمة الثغر بين القلب وبين النفس، ونظروا إلى أقرب الخلق من الله، وأكرمهم عليه، وأدناهم منه وسيلة، وأعظمهم عنده جاها، وقد دخل مكة يوم الفتح، وذقنه تَمَسُّ قُربوس سرجه، انخفاضاً وانكساراً، وتواضعاً لربه تعالى في مثل تلك الحال، التي عادةُ النفوس البشرية فيها أن يملكها سرورها وفرحها بالنصر والظفر والتأييد، ويرفعها إلى عنان السماء.
فالرجل من صان فتحه ونصيبه من الله، وواراه عن استراق النفس، وبخل عليها به، والعاجز من جاد لها به، فياله من جود ما أقبحه، وسماحة ما أسفه صاحبها، والله المستعان. إنتهى كلامه رحمه الله.
وأذكرك يا أخي وعبد الله أن الشيطان قد قعد لنا على الصراط المستقيم، وأقسم بعزة الله أن يغوينا، والحال التي تمر بها وتمر بنا بعض الأحيان تستدعي الشروع في عبادة قولية وقلبية، ألا وهي الاستعاذة التي أمر الله بها عند نزغات الشيطان وحضوره، (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين. وأعوذ بك رب أن يحضرون)
كما أوصيك بسعة الصدر على بعض ردود إخوانك الذين حرصوا على نصحك، ولا تحمل عليهم في نفسك وتقول: (والله الموعد).
أذكّرك أخي عبد الله بهذا وأنا ـ والله ـ أحوج منك إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(طلب العلم فريضه. وهو شفاء للقلوب المريضة)
أسأل الله لي ولك ولإخواننا وأخواتنا العلم النافع والعمل الصالح، والهداية والرشاد، والتوفيق والسداد.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعي التابعين، ومن تبعهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين.
¥