تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقَد جاء تفسيرُه في السّنةِ، فعَن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ قالَ: قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّلَ ما دخلَ النّقصُ على بنِي إسرائيلَ؛ كانَ الرّجلُ يلقَى الرّجلَ، فيقولُ: يا هذَا اتّقِ اللهَ ودَعْ ما تصنَع؛ فإنّه لا يحِلُّ لَك، ثمّ يلقَاه منَ الغدِ فلا يمنعُه ذلكَ أن يكونَ أكيلَه، وشريبَه، وقعيدَه فلمّا فعلُوا ذلِكَ ضربَ اللهُ قلوبَ بعضِهِم بِبَعض» ثمّ تلا الآية (6)، فإذا كانَ هذا في المعاصِي والعصاةِ، الّذينَ يعلمونَ أنّهم يأتونَ معصيةَ اللهِ، ولا يتّخذونَها ديناً، فكيفَ بالبِدَعِ وأهلِ البدعِ؟!

ثمّ تأمّل كيفَ أنكرَ اللهَ على أولئكَ الملعونينَ جمعَهم بين دعواهُم الإيمانَ باللهِ والرّسولِ وبينَ اتخاذِهم الكفّارَ أولياءَ، لتعرِف ما في ذلكَ من التناقُض.

وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140].

قالَ الإمامُ العلاّمةُ أبو جعفرٍ محمّد بنُ جريرٍ الطّبريّ: «يعني: فأنتُم إنْ لَم تقومُوا عنهُم في تلكَ الحالِ مثلُهم في فِعلِهم، لأنّكُم قد عَصَيتُم اللهَ بجلوسِكُم معَهم، وأنتُم تسمَعُونَ آياتِ اللهِ يكفَرُ بِها ويُستهزأُ بِها، كَما عصَوهُ باستهزائِهِم بآياتِ اللهِ، فقد أتيتُم مِن معصيةِ اللهِ نحوَ الّذيِ أتَوهُ مِنها، فأنتُم إذاً مثلُهم فيِ رُكوبِكم معصيةَ اللهِ، وإتيانِكم ما نهاكُم اللهُ عَنهُ، وفي هَذهِ الآيةِ الدّلالَةُ الواضِحَةُ علَى النّهيِ عَن مجالسةِ أهلِ الباطِلِ مِن كلّ نوعٍ مِن المبتدعةِ، والفسَقَةِ، عندَ خوضِهم في باطلِهم» (7).

وقالَ تعَالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير} [البقرة:120]

قال العلاّمةُ الشّوكانِي ـ رحِمَه اللهُ ـ: «فيهِ مِن التّهدِيدِ العظيمِ، والزّجرِ البليغِ ما تقشعرُّ لَه الجلودُ، وترجُفُ منه الأفئِدَةُ، وإذا كانَ الميلُ إلى أهويةِ المخالِفينَ لهذِه الشّريعةِ الغرّاءِ، والملّةِ الشّريفةِ، مِن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم ـ الّذي هوَ سيّدُ ولدِ آدمَ ـ يوجِبُ علَيه أَن يكونَ ـ وحاشاهُ ـ مِنَ الظّالمِين، فما ظنّكَ بغيرِه مِن أمّتِه، وقَد صانَ الله هذِهِ الفِرقةَ الإسلامِيّةَ بعدَ ثُبوتِ قدمِ الإسلامِ، وارتفاعِ منارِه عَن أَن يمِيلُوا إلى شَيءٍ مِن هوَى أهلِ الكتابِ، ولم تبقَ إلاّ دسيسةٌ شيطانِيّةٌ، وَوسِيلةٌ طاغوتيّةٌ، وهيَ ميلُ بعضِ مَن تحمّلَ حُجَجَ اللهِ إلى هوَى بعضِ طوائِفِ المبتدعةِ، لما يرجوهُ من الحطامِ العاجِلِ من أيديهِم، أو الجاهِ لدَيهِم، إن كانَ لهم فيِ النّاسِ دَولَةٌ، أو كانُوا مِن ذوِي الصّولَةِ، وهذَا الميلُ ليسَ بدونِ ذلكَ الميلِ، بَل اتّباعُ أهويةِ المبتدعةِ تُشبِهُ اتّباعَ أهويةِ أهلِ الكتابِ، كما يشبِهُ الماءُ الماءَ، والبيضةُ البيضةَ، والتّمرةُ التّمرةَ، وقَد تكونُ مفسدةُ اتباعِ أهويةِ المبتدعةِ أشدّ على هذِه الملّةِ مِن مفسدَةِ اتّباعِ أهويةِ أهلِ المِلَلِ، فإنّ المبتدِعةَ ينتمُونَ إلى الإسلامِ، ويُظهِرونَ للنّاسِ أنّهم ينصُرونَ الدّينَ، ويتّبعُونَ أحسنَه، وهُم على العكسِ مِن ذلكَ، والضدِّ لما هنالِك، فلا يزالونَ ينقلُونَ مَن يميلُ إلى أهويتِهم مِن بِدعةٍ إلى بِدعةٍ، ويَدفعونَه من شنعةٍ إلى شنعةٍ، حتى يسلخُوه من الدّينِ، ويخرجُوه مِنه، وهوَ يظنّ أنّه مِنه في الصّمِيم، وأنّ الصّراطَ الّذِي هُو علَيهِ هوَ الصّراطُ المستقِيم، هذا إن كانَ في عدادِ المقصّرينَ، ومِن جملةِ الجاهِلينَ، وإن كانَ من أهلِ العلمِ والفَهمِ، المميّزينَ بينَ الحقِّ والباطلِ، كانَ في اتّباعِه لأهويتِهم مِمّن أضلّهُ اللهُ على عِلم، وختمَ علَى قلبِهِ، وصارَ نقمةً على عبادِ اللهِ، ومصيبةً صبّها اللهُ علَى المقصّرينَ، لأنّهم يعتقِدُونَ أنّه في عِلمِه وفَهمِه لا يميلُ إلاّ إلى حقٍّ، ولا يتبعُ إلاّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير