ومع جلاء هذه المسألة عند من يستقي من الكتاب والسنّة أقول: إن بعض من تأثر بالمقالة السالفة –كالبريلوية في الهند- زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ظل له لأجل أنه نور، وهذا أمر باطلٌ لا يثبت فيه دليل، وإنما هو قولٌ ذكر أصله بعض المتوسعين في كتب الخصائص والسيرة المتأخرين ممن غايته الجمع دون تحقيق أو تثبت، فلم يذكر السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 122 العلمية) في الباب الذي عقده لأجله إلا ما عزاه للحكيم الترمذي، من طريق عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، عن عبد الملك بن عبد الله بن الوليد، عن ذكوان: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يُرى له ظل في شمس ولا قمر ولا أثر قضاء حاجة). وهذا الحديث موضوع في ميزان المحدثين، ففيه على إرساله: عبد الرحمن الزعفراني، وقد كذّبه ابن مهدي وأبوزرعة وصالح جزرة، وتركه بقية الحفاظ، وشيخه لم أميّزه، وكذا ذكوان، فضلا عن جهالة الوسائط بين الحكيم الترمذي والزعفراني! بل يكفي أن الحكيم تفرد به ليكون غير ثابت حتى على مذهب السيوطي (كما في خطبة الجامع الكبير)، على تساهله المعروف في التضعيف!
فهؤلاء اعتمدوا في إثبات عقيدة على حديث موضوع ليس في الباب سواه، مع أن العهد بأمثالهم أنهم لا يقبلون في العقيدة حتى الحديث الصحيح إذا لم يكن متواتراً في مصطلحهم، مع أنهم إذا جاءهم المتواتر في مثل مسألة العلو لم يقبلوا به، فتأمل.
وهذا الحديث الأخير مع كونه موضوعاً وينافي الطبيعة البشرية والسنن الربانية: فقد جاء ما يبطله من الأحاديث الصحيحة من أنه صلى الله عليه وسلم كان يبتغي الظل كالناس، وكان صحابته الكرام يبتغون له الظل، فليس من نور كما يزعمون:
ففي حديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل حديقة بيرحاء ويستظل بها.
وفي الصحيحين من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردةً له في ظل الكعبة. الحديث.
وفيهما من حديث أبي بكر رضي الله عنه في الهجرة أنه قال: فرُفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأتِ عليه الشمس، فنزلنا عنده، وسوّيتُ للنبي صلى الله عليه وسلم مكاناً بيدي ينام عليه ... فنام. الحديث.
وفي حديث الهجرة الآخر في البخاري: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيِّي أبا بكر! حتى أصابت الشمسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك.
وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل الكعبة .. الحديث.
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: انتهيتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول في ظل الكعبة: هم الأخسرون ورب الكعبة .. الحديث.
وفي حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه في الصحيحين أنه جاء وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبٌ قد أُظلَّ به .. الخ.
وفي حديث جابر رضي الله عنه لما أدركتهم القائلة في ذات الرقاع قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة. متفق عليه، وفي رواية عندهما: فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك أحاديث أخرى صحيحة في هذا الباب، واقتصرت على جملة مما في الصحيحين أو أحدهما، فتأمل ما ثبت في الكتاب والسنة، وفهم الصحابة لهذه المسألة، ووازنه بفهم أولئك الغلاة، وفي ذلك مقنعٌ لمن كان يبتغي الأدلة الصحيحة.
وهذا كله من جهة ظاهر مسألة النور والظل، أما عن جذور وأصل عقيدة الحقيقة المحمدية التي تنبني على حديث جابر المزعوم: فقد تكلم عنها جماعة من الباحثين، وأكدوا أنها عقيدة مستقاة من فلسفة أفلوطين الوثني، ومنه أخذها الفلاسفة، وأدخلها الباطنية الملاحدة إلى المسلمين، ونشرها من اتصل بهم من أصحاب التصوف الفلسفي الغالي، مثل الحلاج وابن عربي، وأُحيل للتوسع على البحث القيم للشيخ عايض بن سعد الدوسري -وفقه الله- بعنوان: (الحقيقة المحمدية أم الفلسفة الأفلوطينية)، والذي طُبع ضمن المجموع السابق ذكره في المقال، بدار المحدّث بالرياض.
وفي الختام نسأل الله أن يوحد كلمة المسلمين على الحق والهدى، وأن يهدي ضالّهم، ويعافي مبتلاهم، وينصرهم على عدوهم، آمين.
كتبه: محمد زياد بن عمر التُّكْلَة، حامداً مصليًّا مسلّماً، في الرياض 4/ 4/1428
http://www.alwatan.com.kw/default.aspx?pageid=35&mgdid=494369
ـ[وكيع الكويتي]ــــــــ[29 - 04 - 07, 12:09 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=98923
سبقناك يا شيخ
ـ[نايف الحميدي]ــــــــ[29 - 04 - 07, 03:49 م]ـ
بارك الله في الشيخ محمد زياد التكلة و نفع به
ورد الله الصوفية الى الحق
آمين
¥