فهذا نص صريح في عدم الجواز من كلام الإمام الشافعي رحمه الله، وأما من حمل كلامه على الكراهة فهذا تعسف منه وصرف لكلامه عن ظاهره بدون قرينة أو دليل، وقد ذكر بعض العلماء كابن القيم في إعلام الموقعين أن قول الإمام الشافعي بالكراهة يفيد التحريم.
المشاركة الأصلية بواسطة محمد معطى الله
تنزيه الشعائر عن عبث بعض أصحاب المحابر (الحلقة الثانية)
رد على عبد الله الجديع في كتابه: اللحية دراسة حديثية فقهية
خامسا: تكلفه في تأويل كلام الأئمة:
نقل إمام الشافعية في عصره العلامة نجم الدين أحمد بن محمد بن علي، المعروف بابن الرفعة المولود سنة خمس وأربعين وستمائة، في كتابه (الكفاية في شرح التنبيه) عن الإمام الشافعي أنه نص في الأم على تحريم حلق اللحية.
وتتابع جماعة من فقهاء الشافعية على نقله عن ابن الرفعة في كتبهم دون استنكار، كما في حاشية أحمد بن قاسم العبادي على تحفة المحتاج، و حاشية الشرواني، وكذا شرح العباب وإعانة الطالبين للدمياطي.
فنقلوه ولم يستنكروا ثبوت هذا عن الشافعي.
ونقله عن الشافعي أيضا محمود بن السبكي في المنهل العذب المورود (2)، والمعصومي في عقد الجوهر الثمين ص (167) (2) والشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع ص (410).
فضاق صدر الأستاذ الجديع مما نقله ابن الرفعة إمام الشافعية في وقته عن الإمام الشافعي، ولم يلتفت حضرة الأستاذ إلى تقدمه ومنزلته في المذهب، ولا إلى ما تتابع عليه فقهاء الشافعية من بعده من نقله دون اعتراض، ولا إلى من أيد ابن الرفعة في هذا النقل كالسبكي والمعصومي، فهوى عليه بمعول التكلف والتأويل محاولا طمسه ومحوه حتى لا يكون لمن يقول بوجوب الإعفاء سلف.
فقال الأستاذ في كتابه ص (229):
" وكبار أئمة الشافعية حين تعرضوا إلى هذه المسألة لا يذكرون إلا كراهة حلق اللحية (3)
ولو كان الشافعي قد نص على التحريم فالمظنون أن لا يفوتهم ذكره كما سيأتي عن جماعة منهم وأقول: كتاب الأم عن الشافعي بجملته محفوظ، وأوجدنا الاستقراء له من عبارة الشافعي ما أبان عن رأيه في الأخذ من اللحية ...
وألصق ذلك بما عزي لابن الرفعة قول الشافعي في جراح العمد: " ولو حلقه حلاق ... وهو و إن كان في اللحية لا يجوز ... فابن الرفعة فيما أحسب أراد قوله: " وهو إن كان في اللحية لا يجوز" وليس عن الشافعي في الأم ما هو أقرب إلى ما ذكر ابن الرفعة من هذا النص والله أعلم
وكأن سائر الأصحاب ممن تقدم ابن الرفعة من محققي الشافعية كالرافعي والنووي لم يروا هذا عن الشافعي نصا في التحريم كما فهمه ابن الرفعة " ا. هـ كلام الجديع
هكذا دائما حضرة الأستاذ، لابد أن يحرر ويحقق ولكن فيما يتعارض مع رأيه ومراده، أما الموافق له والملائم فمرور الكرام، ثم هو تحرير وتحقيق من نوع فريد لا يقوم إلا على ساق التكلف والتأويل والتعسف.
فنسخة كتاب الأم التي نقل منها العلامة ابن الرفعة نص تحريم حلق اللحية، المتوفرة عنده في القرن السابع الهجري لابد أن تخضع لتحرير الجديع واستقرائه، وإذا لم تتفق مع نسخته وما آل إليه تتعبه واستقراؤه فلا كبير اعتبار لذلك، ولن يجد ذلك النقل إلا التشكيك والتضعيف.
ولنتأمل ما اعتمد عليه حضرة الأستاذ في ذلك.
لقد ابتدأ الأستاذ محاولته بنقل باطل عن كبار أئمة الشافعية فقال كما سبق:
" وكبار أئمة الشافعية حيت تعرضوا إلى هذه المسألة لا يذكرون إلا كراهة حلق اللحية "
بماذا سيحكم القاري لو علم أن خمسة من كبار أئمة الشافعية يقولون بالحرمة؟!
ألا يعتبر قوله:
" لا يذكرون إلا كراهة حلق اللحية " افتراءاً على أئمة الشافعية؟
فها هو الإمام أبو عبد الله الحليمي المولود سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة أحد شيوخ الحاكم الذي وصفه الإمام الذهبي بقوله: " شيخ الشافعية " وقال عنه: " ومن أصحاب الوجوه في المذهب " كما في السير (17/ 162 - 231) وقال عنه الحاكم: " أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم وآدبهم ... " كما في طبقات الشافعية (2/ 177).
هو ممن يقول بالحرمة، وقد نقل الأستاذ الجديع كلامه بعد نفيه السابق بست صفحات.
بل هاهو الإمام أبو بكر محمد بن على الشاشي القفال الكبير شيخ الحليمي المتوفى سنة خمس وستين وثلاثمائة قد قال بحرمة حلق اللحية أيضا، وقد وصفه الذهبي في السير بالشافعي، وقال عنه:
¥