وفي " سنن ابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وسلم وصي أبا الدرداء وغيره – أيضاً. وقد أخبر الله عن أصحاب الأخدود بما أخبر به وقد كانوا فتنوا المؤمنين والمؤمنات وحرقوهم بالنار ليرتدوا عن الإيمان، فاختاروا الإيمان على النار. وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن امرأة منهم أتى به ومعها صبي لها يرضع فكأنها تقاعست أن تلقي نفسها في النار من أجل الصبي فقال لها الصبي: يا أمه! اصبري فإنك على الحق ".
وألقي أبو مسلم الخولاني في النار على امتناعه أن يشهد للأسود بالنبوة فصارت عليه برداً وسلاماً. وعرض على عبد الله بن حذافة أن يتنصر فأبى فأمر ملك الروم بإلقائه في قدر عظيمة مملوءة ماء تغلي عليه فبكى وقال: لم أبك جزعاً من الموت، لكن أبكي أنه ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله، لوددت أنه كان لي مكان كل شعرة مني نفساً يفعل بها ذلك في الله عز وجل.
هذا مع أن التقية في ذلك باللسان جائزة مع طمأنينة القلب بالإيمان كما قال تعالى ((إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)). ولكن الأفضل الصبر وعدم التقية في ذلك. فإذا وجد القلب حلاوة الإيمان أحس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان ولهذا قال يوسف عليه السلام: ((رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)). سئل ذو النون: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمر عندك من الصبر. وقال بشر بن السري: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يبغضه حبيبك. واعلم أن القدر الواجب من كراهة الكفر والفسوق والعصيان هو أن ينفر من ذلك ويتباعد منه جهده ويعزم على أن لا يلابس شيئا من جهده لعلمه بسخط الله له وغضبه على أهله. فأما ميل الطبع إلى ما يميل من ذلك – خصوصاً لمن اعتاده ثم تاب منه – فلا يؤاخذ به إذا لم يقدر على إزالته، ولهذا مدح الله من نهى النفس عن الهوى، وذلك يدل على أن الهوى يميل إلى ما هو ممنوع منه وأن من عصى هواه كان محموداً عند الله عز وجل.
وسئل عمر عن قوم يشتهون المعاصي ولا يعملون بها، فقال: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)). وقد ترتاض النفس بعد ذلك وتألف التقوى حتى تتبدل طبيعتها وتكره ما كانت مائلة إليه وتصير التقوى لها طبيعة ثابتة.
إنتهى من كلام ابن رحب الحنبلي فتح الباري 1/ 50 - 59
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[10 - 05 - 07, 12:26 ص]ـ
بوركت شيخنا الكريم على الكلام الطيب ورحم الله ابن رجب الحنبلي
ـ[ماهر]ــــــــ[23 - 11 - 07, 01:43 م]ـ
أجزل الله لكم الثواب وأدخلكم الجنة بغير حساب.
ـ[أبو عمر القصيمي]ــــــــ[23 - 11 - 07, 02:41 م]ـ
بارك الله فيك شيخنا
وهذا الشرح نفيس جداً استفدتُ منه كثيراً في رجوعي إليه خاصة في مسائل الصلاة عموماً فقد أسهب فيها وأطال وأبدع رحمه الله.
استفسار: قبل أن أقتني الكتاب قرأت في الملتقى أن أفضل طبعة هي دار الغرباء وهي التي عليها العزو غالباً لكني لم أجدها لا في الرياض ولا في القصيم، فاقتنيت طبعة ابن الجوزي تحقيق طارق عوض الله وهي جيدة وفيها فهارس رائعة جداًَ في المجلد الأخير كشفت عن الكثير من كنوز الكتاب ولكن تخريج الأحاديث في هذه الطبعة مختصر جداً بعكس الغرباء على ما ذُكر لي فسؤالي: ما رأيك بطبعة طارق عوض الله وهل عليها ملاحظات؟ وجزاكم الله خيراً وحفظكم ونفع بكم.
ـ[أبو تراب الهاشمي]ــــــــ[23 - 11 - 07, 10:17 م]ـ
جزاك الله خيرا.
ـ[ماهر]ــــــــ[09 - 05 - 08, 03:12 م]ـ
جزيتم خيراً
طبعة الشيخ طارق جيدة جداً لهذا الكتاب.
وطبعة دار الحرمين سيئة جداً.
وفقكم الله ونفع بكم.
ـ[السرماري]ــــــــ[10 - 05 - 08, 02:39 ص]ـ
شكر الله لكم شيخنا ,,
وعودًا حميدًا ..
محبك ,,
ـ[ياسمى]ــــــــ[10 - 05 - 08, 06:42 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك
ـ[أبو شوق]ــــــــ[10 - 05 - 08, 08:54 م]ـ
جزاكم الله خير
ـ[ماهر]ــــــــ[06 - 06 - 08, 10:21 ص]ـ
أجزل الله لكم الثواب وأدخلكم الجنة بغير حساب وجمعنا ووالدينا وإياكم في الفردوس الأعلى.