تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[(أبيار علي) هل أنشأها سلطان دارفور علي دينار؟.]

ـ[المسيطير]ــــــــ[13 - 05 - 07, 07:07 م]ـ

[(أبيار علي) هل أنشأها سلطان دارفور علي دينار؟.]

د. حيدر عيدروس علي


بكى سيف الله خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لما حضره الموت، وقال: لقيت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي شبرٌ إلا وفيه ضربةٌ بسيف، أو طعنةٌ برمح، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء [1].اهـ. هكذا غادر سيف الله هذه الدنيا، بعد أن محا الإسلام ظلام الجاهلية في فكره، ولم يكن يهمه كيف يعيش، بقدر ما كان يهمه كيف يموت، وفي أي الفريقين يبعث؟ وتلك هي بذرة الحياة الخالدة التي غرسها الصالحون من أمثاله، ورعاها أولو الألباب من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، والعاقل لا يبالي حين يقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعه.

وقد نبتت هذه البذرة نباتا حسنا، أينع ثمره في حياة الأبطال من هذه الأمة، الذين بحرصهم على الموت وهبت لهم الحياة بعده، فكان من بين أولئك النفر الكريم السلطان علي دينار بن زكريا بن محمد فضل، سلطان دارفور، فقد مات تلك الميتة التي بذر سيف الله - ورفاقه الأبرار - بذرة حبها في قلوب المسلمين، إذ انتقل السلطان علي دينار إلى الدار الآخرة مقتولا برصاص المستعمر الانجليزي، في فجر الحادي عشر من شهر الله المحرم في سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة وألف من الهجرة المباركة، وهو في صلاة الفجر، ولما كانت العبرة بالنهايات والخواتيم فبمقتله بدأتُ، فأسأل الله أن يحشره في زمرة الشهداء، وإذا كان سُلطانُنا - رحمه الله - قد جاهد في الله إلى أن مات في سبيله، في أعز وقت من الأوقات، فستصغر أمام ذلك جلائل أعماله مهما عظمت، لأنه قد صعد على ذروة سنام الأمر؛ الجهاد في سبيل الله.

ولد السلطان علي دينار في قرية (شوية) بدارفور، ولم تسعفني المصادر بتاريخ ولادته، وعاش حميدا، رفع الله قدره، لارتفاع الفضيلة في وجدانه، إذ لم تكن دارفور هي همه الوحيد، بل لم يكن قلبه على السودان فحسب، إنما كان قلبه على المسلمين كافة، فقد مهد طريق الحجاج القادمين من بلدان إفريقيا الغربية، القاصدين لبيت الله الحرام والأراضي المقدسة، وجعل من مَلِّيطَ [2]، والفاشر [3]، وغيرهما من المحطات رحابا آمنة يجد فيها الحاج من الراحة، والمتعة، والجمال ما يسر به، وذلك هو ما عبَّر عنه الشاعر الفحل محمد سعيد العباسي - رحمه الله - فقال في مليط:-
حياكِ مَلِّيطُ صَوْبُ العارضِ الغادي وكم جادَ واديكِ ذا الجناتِ من وادي
كم جلوتِ لنا من مَنظرٍ عَجَبٍ يُشْجي الخَلِيَّ ويَروي غُلَّةَ الصادي

وهي قصيدة من عيون الشعر السوداني، تصور روعة الجمال في السودان؛ قلب إفريقيا النابض، ذلك الجمال الذي استمتع به أهل دارفور، والواردون إليها من حجاج بيت الله الحرام، وغيرهم، وهو ما رعاه آنذاك السلطان علي دينار، ورفاقه من أصحاب السلطة والنفوذ، من سلاطين القبائل، وأعوانهم من أهل تلك الرحاب.

وقد اتسع تفكير السلطان علي دينار ليحمل هم المسلمين الأكبر في تحقيق الوحدة الإسلامية، فلم ييأس - على الرغم من ضعف الخلافة العثمانية في أيامها الأخيرة - أن يقف معها، ويجتهد في مؤازرتها، ولم يهن، لأن وجودها - على ما يبدو فيها من ضعف في النفوذ، وانحراف عن الجادة - كان يمثل وحدة المسلمين، وقد تضافرت جهوده في هذا الشأن مع جهود السنوسيين، ولكن الآلة العسكرية للمستعمر كانت أشد فتكا.

حاول السلطان علي دينار أن يبسط سلطانه على دارفور، وعلى غيرها من ربوع السودان كافة، وهذه الثقابة في الذهن، والتقدم في التفكير، هو الذي حفَز الإنجليز للتصدي له، من أجل تحطيم هذه الأفكار المتقدمة، فسعوا للقضاء عليه.

وللسلطان علي دينار مآثر جمة، مما صحت نسبتها إليه، لا يسع المجال لذكرها، بيد أنني كنت فرحا مسرورا بإحدى تلك المآثر، وهي التي تذكر بأن آبار علي - في ميقات ذي الحليفة، بقرب المدينة المنورة - منسوبة إليه، وللتحقق من ذلك فقد حاولت أن أوثق هذه المعلومة حتى أقدمها لمن يطلبها، من المصادر التي ذكرتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير