ولا شك أن التفصيل أسعد بالقبول وأرجح، وسبب ذلك أن الشرع مع نهيه عن الوشم والنمص والوصل جاء بالإذن بأنواع من الزينة والتحسين كصبغ الشعر مثلاً وهذا يدل على أن تعميم العلة بمنع التحسين غير مقبول، والعلّة متى فُقد اطرادها دَلّ على إبطال عليتّها. ([33])
والتعليل بقصد التحسين لا يصلح علةً للتحريم - أيضًا - لأنا نشهد من الشارع اعتبار قصد التحسين والتجميل لا المنع منه كما تقدَّم. ([34])
ثم إنّ أهل العلم اختلفوا في المعنى الممنوع في النمص والوصل ونحوها، فقيل: مُنع الوصل لأنّ فيه استعمالاً لجزء آدمي ([35])، وقيل لأجل ما فيه من تدليس وخداع. ([36])
وقيل في النمص المحرم أن المراد به هو التبرج والتزين للأجانب ([37])، أو ما كان بدون إذن الزوج ([38])، أو
للتدليس، أو للتشبّه بالفاجرات. ([39])
ومادام أن أهل العلم قد اختلفوا في العلة التي من أجلها ورد النهي، ولم يَسُغ بعد ذلك توحيد علة المنع، مع ما تقدَّم من المراد بتغيير خلق الله تعالى.
وكذلك فإن الأضرار والمضاعفات والغش والتدليس التي من أجلها حرّم بعض المعاصرين العمليات التحسينيّة بإطلاق ليست قاعدة مطردة في كل العمليات التحسينيّة بل قد تقع في هذه العمليات أحيانًا وقد لا تقع، وهي مع ذلك أمور خارجة عن نفس العمليات فيكون التحريم لها لا لنفس الجراحة، إلا إذا رافقتها.
ومن جميع ما تقدَّم فإني أرى أنّ الاتجاه الثاني الذي يجعل لكل نوع من العمليات التحسينيّة حكمًا يناسبه حسبما تدل عليه الأدلّة، أولى من تعميم الأحكام على صور مختلفة.
ويشهد لهذه النتيجة ما ورد أنّ المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - كان عظيم البطن وكان له غلام روميّ، فقال له: أشق بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشقّ بطنه ثم خاطه، فمات المقداد وهرب الغلام. ([40])
وهذا نوع من العمليات التجميليّة التحسينيّة. والله أعلم.
خامسًا: ضوابط العمليات التجميليّة:
الضوابط التي أتناولها الآن شروط وقواعد تضبط العمليات التجميليّة عن الانحراف بارتكاب المحظور، فهي متى روعيت عند إجراء العملية حفظتها عن الوقوع في المحظور الشرعي.
الضابط الأول: ألا تكون العمليّة محل نهي شرعي خاص.
والنهي يستفاد بطريق النهي الصريح أو بما يدل على إثم فاعله، أو وعيده.
وقد جاء الشرع بالنهي عن عدة إجراءات تجميليّة، منها:
- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة. ([41])
- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة). ([42])
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئًا. ([43])
فهذه الأحاديث تدل على تحريم الوصل، وأنّه من المعاصي الكبيرة. ([44])
ومنها:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع. فقيل لنافع: وما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه. ([45])
وهذا يدل على كراهة القزع للرجال والنساء. ([46])
ومنها:
- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتفوا الشيب). ([47])
ومنها:
- عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. ([48])
فهذا يدل على تحريم الوشم وتفليج الأسنان والنمص.
ومنها:
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن القاشرة والمقشورة. ([49])
- وعنها أنها كانت تقول: يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه. ([50])
- وهذه تدل على منع قشر الوجه.
وتفصيل ما سبق محله أبحاث لأصحاب الفضيلة المشاركين في هذه الندوة.
الضابط الثاني: ألاّ تكون العملية محل نهي شرعيًّ عام.
وأقصد بهذا الضابط أن جواز العمليّة الجراحية يستدعي السلامة من عدة محاذير نهي الشرع عنها أدخلها كلها في هذا الضابط.
فمنها: أن تشبّه الرجال بالنساء، وتشبّه النساء بالرجال محذور.
¥