فلا يجوز للرجل أن يجري عملية تجميل تحرفه ليكون مشبهًا للنساء في خلقتهن وكذلك العكس، ومعلوم أن لكل من الذكر والأنثى خصائص جسديّة تميّزه عن الآخر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. ([51])
وليس من هذا عمليات تصبح الجنس بحيث يعود التوافق بين ظاهر الشخص وتركيبه الكرموسومي وأعضائه التناسلية، بل المراد بهذا العمليات الهادفة إلى تغيير ظاهر الشخص ليشبه غير جنسه وملامحه.
- ومما وجدت بعض الباحثين يذكره ممّا يصلح أن يكون ضابطًا وهو: ألاّ تتضمّن العمليّة غشًا وتدليسًا.
ولا شك أن الغش ممنوع في الشرع؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا). ([52])
ولكن إعمال هذا الضابط إنما يكون في الموضع الذي يمنع فيه الغش والتدليس مثل من يجرى جراحة للتنكّر والفرار من العدالة.
أو مثل الرجل أو المرأة قبل الخطبة إذا أجريت لهم عملية توقيعيّة غير دائمة، أما لو كانت آثار الجراحة دائمة فإنّه لا تدليس هنا.
وكذلك فلا تدليس لو أجرت امرأة متزوجة عملية تجميليّة، فإنّها لن تغش أحدًا بذلك، بل غاية عملها هو التجمّل في نفسها وهو غير ممنوع.
وذلك أن إخفاء الحقيقة إنما تمنع إذا ارتبط بها حَقٌّ للغير، وأما إذا لم يرتبط بها حق للغير فلا وجه لتحريم إخفاء الحقيقة؛ لأنه يعود أمرًا شخصيًا.
ومع ظهور هذا، فإنه يمكن تأكيده بما يذكره أهل العلم عند تعليلهم لمنع بعض الأعمال لما فيها من التدليس قال خطابي: (الواصلات هن للواتي يصلن شعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشّعر ... فيكون ذلك زورًا وكذبًا فنهي عنه، أمّا القرامل فقد رخّص فيها أهل العلم، وذلك أنّ الغرور لا يقع بها؛ لأنّ من نظر إليها لم يشك في أنّ ذلك مستعار). ([53])
وقال ابن جزي: (ويكره نتف الشيب، وإن قَصَد به التلبيس على النساء فهو أشد في المنع). ([54])
ولا أرى جعل منع التدليس والغش ضابطًا، لندرة حصوله، ولا يسوغ إن يجعل التحرز من الصور النادرة ضابطًا لعدد كبير من الإجراءات العلاجيّة.
ومما وقفت عليه مما يُذكر ضابطًا ألاّ يكون بقصد التشبّه بالكافرين أو أهل الشر والفجور.
ولا إشكال أن التشبّه بالكفار مذموم في الشرع. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبّه بقومٍ فهو منهم). ([55])
وهذا ضابط صحيح، لكني لا أعلم عمليّة تجميليّة يمكن أن تجعل المسلم شبيهًا بالكافر، وذلك لأن كل عرق وجنس بشري فيه المسلم والكافر وأمّا قصد التشبّه من المريض بكافر معين، فهذا يعود للمريض دون الطبيب.
وعليه فإنّه لا يسوغ عمل تجميلي يقصد به المسلم التشبّه بالكافر.
الضابط الثالث: أن يغلب على الظن نجاحها.
وذلك أن كل إجراء طبي يشترط فيه أن تكون نسبة النجاح أكبر من نسبة عدم النجاح، وإلا صار العمل عبثًا، وكل عاقل فإنّه لا يقدم على عمل إلا بعد أن يغلب على ظنّه نجاحه وحصول النفع به.
وقد تقدم أن جسد الإنسان ملك لله تعالى، فلا يحق لأحد أن يقدم تصرف فيه إلا بما يغلب على الظن حصول المقصود منه، وإلا صار جسد الإنسان محلاً للتجارب، وموضعًا للعبث.
وكل إجراء لا يغلب على الظن نجاحه فهو عبث وإفساد وإضاعة وقت ومال.
قال العز بن عبد السلام: " الاعتماد في جلب مصالح الدارين، ودرء مفاسدهما على ما يظهر في الظنون، .. وكذلك أهل الدنيا إنّما يتصرّفون بناء على حسن الظنون، وإنما اعتمد عليها لأن الغالب صدقها عند قيام أسبابها، فإنّ التجار يسافرون على ظَنّ أنّهم يربحون .. والمرضى يتداوون لعلهم يُشفون ويبرؤون ". ([56])
الضابط الرابع: أن يأذن بها المريض.
لا يحق لأي إنسان أن يتصرّف في جسم إنسان آخر بغير إذنه؛ فإنّه اعتداء عليه؛ قال تعالى: {ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين}. [البقرة: 190].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى: (إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). ([57])
وقد قرر الفقهاء أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في ملك الغير بلا إذن، ومنافع الإنسان وأطرافه حق له. ([58])
¥