ويدل على ذلك ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلتا: كراهية المريض للدواء، فلّما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؛ لا يبقى أحدٌ في البيت إلاّ لُدَّ). ([59])
فقد عاقب صلى الله عليه وسلم من داوه بعد نهيه عن ذلك، والعقوبة لا تكون إلا بسبب تعدٍّ ([60])، وهذا يوضّح أنّ إذن المريض ضروريّ لإجراء التداوي فإذا رفض التداوي فله الحق في ذلك، ويكون إجباره على التداوي تعديًا. ([61])
الضابط الخامس: أن يكون الطبيب مؤهّلاً.
قال ابن القيم: (إذا تعاطي علم الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهوّر على ما لم يعلمه .. قال الخَطّابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا اعتدى، فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا وعملاً لا يعرفه متعدٍّ). ([62])
وقال ابن مفلح عن الطبيب: (لا تحلّ له المباشرة مع جهلة ولو أُذن له) ([63]).
والمتطبب الجاهل يشمل من لم يحسن الطب ولم يمارس العلاج أصلاً، ومن عنده إلمام بسيط يعلم الطب لا يؤهله لممارسته، ومن لديه معرفة بفن من فنون الطب ثم يقدم على الممارسة في تخصّص غيره.
ففي كل هذه الحالات يكون المعالج متطببًّا جاهلاً.
وهؤلاء لا يحل لهم أن يباشروا أي إجراء علاجي على أبدان المرضى، لفقدهم شرط الجواز وهو المعرفة بالطب.
الضابط السادس: ألاّ يترتب عليها ضرر أكبر.
مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح ودرء المفاسد.
وإذا تعارضت المصالح والمفاسد: فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فهو المطلوب، وإن لم يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب مفسدة فينظر في الغالب منهما.
فالله تعالى حرّم الخمر والميسر مع أن فيهما منفعة، لأن مفسدتهما أكبر قال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} [سورة البقرة: 219].
فلابد للطبيب قبل إجراء عمل تجميلي أن يقارن بين الآثار السلبيّة المترتبة على عمله وبين الأضرار المترتبة على عدم التدخل العلاجي، والمصلحة المترتبة عليه.
وللأضرار أنواع فمنها: شلل الوجه وتلف عصب الوجه في عمليات شد الجبين، أو التواء الذكر في عمليات إصلاح المبال التحتاني.
ومنها الضرر النفسي والاكتئاب المصاحب لعدم اقتناعه بنتيجة العمليّة وأثرها.
الضابط السابع: أن تكون خاضعةً للتصوّر الإسلامي للجمال.
فهذا التصوّر الإسلامي يؤمن بأن الله تعالى خلق الإنسان خلقة حسنة كما قال تعالى: (وصوّركم فأحسن صوركم) [غافر: 64].
ويؤمن كذلك أن الجمال وإن تفاوت لكنه ليس كل شيء، فلا يعطى أكبر من قدره كما سبق.
وهذا يحتم على الطبيب أن يكون له ذوقه في مسألة الجمال، ومدى ما فات منها، وحالة الإنسان، وهل شعوره بالنقص نتيجة لضعف في تركيبته النفسية، أو لمرض نفسي لديه وَلّد عنده عدم الرضا بما قدّر الله عليه، أو هو حقيقة تستحق العلاج.
ويمكنني أشير إلى أمور يمكن للطبيب من خلال ترجيح إجراء العمل الطبي من عدمه.
فمنها:
1 - هل للشكوى المراد إزالتها بالعمليّة أثر على صحة الإنسان مثل: ألم الظهر، أو آثار السمنة.
2 - هل هي ناتجة عن حادث استدعى علاجًا.
3 - هل المراد تغييره يخالف الخلقة المعهودة في الإنسان.
4 - هل يزول تضرر المريض وشكواه بمجرد العمليّة.
5 - مدى الحاجة لها - مثل عمليات شد البطن أو شفط الدهون عند وجود الترهل الشديد -.
6 - عمر المريض وجنسه.
7 - هل للشكل المراد تغييره آثار سلبيّة على حياة المريض أم لا.
8 - هل يمكن إزالة شكوى المريض بغير الجراحة.
وعند تأمل مثل هذه الجوانب يتبيّن للطبيب هل يجري الجراحة أم أن طلب المريض إنما هو محاولة لإشباع نزعة غرور تعتريه بالتطلّع إلى تحسين جسديّ مبالغ فيه، أو نتيجة ضعف في الشخصيّة فهذه لا ينبغي إجراء العمل لهم لأن شكواهم لن تزول بزوال العيب الظاهر، بل هم بحاجة للعلاج الإيماني والنفسي.
الضابط الثامن: مراعاة أحكام كشف العودة.
العودة هي ما أوجب الله تعالى ستره من جسد الإنسان، ويحرم النظر إليه. ([64])
¥