و لا يحسبن أحدٌ أننا إذ نفتي بصحة عقد الناكح يريد الطلاق أننا نحل نكاح المتعة، أو ندعو لخفر الذمم، و نقض العهود!
لا و الله، و معاذ الله، فنكاح المتعة ثبت تحريمه بما لا لبس فيه من نصوص السنة النبوية، ثم انعقد إجماع أهل العلم على تحريمه، فكان هذا كافياً في تحريمه، و التحذير منه شرعاً، أما الزواج بنية الطلاق فلا دليل على حرمته أصلاً، و لا ذكر له – على التخصيص - في نصوص الشريعة المطهرة أساساً.
و لا يخفى ما بين نكاح المتعة و النكاح بنية الطلاق من فوارق من أبرزها:
• إن نكاح المتعة يتم بالاتفاق بين الزوجين (على فرض صحة تسميتهما زوجين) على الأجل المضروب بينهما للنكاح، و تقع الفرقة بينهما بمجرد انقضاء الأجل، أما الزواج بنية الطلاق فلا يفرق فيه بين الزوجين إلا بطلاق بائن و عدة واجبة.
• إن المرأة في نكاح المتعة لا حق لها سوى الأجر (المسمى صداقاً)، بخلاف المتزوجة ممن ينوي طلاقها، فلهذه الحق في الميراث و المتعة في العدة و سائر حقوق الزوجة على زوجها.
• عدة المطلقة من نكاح من يضمر نية الطلاق كعدة مثيلاتها من بنات جنسها، أما في المتعة فللمرأة بعد انقضاء أجل متعتها عدة خاصة تخالف عدة المطلقة و من مات عنها زوجها من المسلمات.
• إن الزواج بنية الطلاق قابل للاستمرار و الديمومة إذا أراد الزوج ذلك، و غير من نيته، أما في المتعة فلا حق للزوج في الاستمرار مع زوجته، و لا حق لها في ذلك بعد انقضاء الأجل المضروب بينهما، بل تجب الفرقة فوراً.
فهل يقول منصف يرى هذه الفوارق و يقف على غيرها أن من أفتى بصحة الزواج بنية الطلاق قد أحل ما حرم الله، و سوى بين النكاح المشروع و نكاح المتعة الممنوع؟!
صحيح أننا نفتي بصحة نكاح من يريد الطلاق ما لم يشترطه، و لكننا لا ندعو بذلك إلى التساهل في حل عِرى النكاح، أو التحريض على الغش و التغرير بفتيات المسلمين، و الاستهانة بالأعراض، حاشا و كلاّ.
و لكننا ننظر إلى هذه الحكم باعتباره وسيلة لتحصين الشباب، و إيصاد أبواب الفتن المشرعة في وجوههم، و أخص منهم من قُدِّرت عليه الغربة فلم يجد منها مفراً، و حاصرته الفتن فلم يحُر لنفسه منها ملاذاً.
و قد نظر إلى واقع طلابنا المبتعثين، و شبابنا المغتربين في هذا الزمان بعض أهل العلم و الفضل فلم يرَ خيراً من النكاح بنية الطلاق عوناً لهم في غربتهم، و تحصيناً لأنفسهم من الفتن.
فقد أفتى بصحة النكاح بنية الطلاق للمغترب الشيخ العلامة محمد الأمين بن المختار الشنقيطي رحمه الله فقال: (و مما سألونا عنه: الغريب في بلد يريد التزوج فيه و نيته أنه إن أراد العود لوطنه ترك الزوجة طالقاً في محلها .. هل تزوجه مع نية الفراق بعد مدة يجعل نكاحه نكاح متعة فيكون باطلاً أم لا؟
فكان جوابنا: إنَّه نكاح صحيح، و لايكون متعةً إلا بالتصريح بشرط الأجل عند عامة العلماء إلا الأوزاعي فأبطله، و نقل كلامه هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري و لم يتعقبه بشئ، و عن مالك رحمه الله أنه قال: ليس هذا من الجميل و لا من أخلاق الناس) [انظر: رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، للعلامة الشنقيطي، ص: 100].
و أفتى بصحة هذا النكاح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فقال رحمه الله: أما الزواج بنية الطلاق ففيه خلاف بين العلماء، منهم من كره ذلك كالأوزاعي رحمه الله و جماعة، و قالوا: إنه يشبه المتعة فليس له أن يتزوج بنية الطلاق عندهم. و ذهب الأكثرون من أهل العلم كما قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني إلى جواز ذلك إذا كانت النية بينه و بين ربه فقط و ليس بشرط، كأن يسافر للدارسة أو أعمال أخرى، و خاف على نفسه فله أن يتزوج، و لو نوى طلاقها إذا انتهت مهمته، و هذا هو الأرجح إذا كان ذلك بينه و بين ربه فقط من دون مشارطة و لا إعلام للزوجة و لا وليها بل بينه و بين الله ... أما أن يتزوج في بلاد سافر إليها للدراسة أو لكونه سفيرا أو لأسباب أخرى تسوغ له السفر إلى بلاد الكفار فإنه يجوز له النكاح بنية الطلاق إذا أراد أن يرجع كما تقدم إذا احتاج إلى الزواج خوفاً على نفسه. و لكن ترك هذه النية أولى احتياطاً للدين و خروجاً من خلاف العلماء، و لأنه ليس هناك حاجة إلى هذه النية؛ لأن الزوج ليس ممنوعاً من الطلاق إذا
¥