132. زيادة الطبراني في حديث وابصة (ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً) زيادة منكرة, في إسنادها السري بن إسماعيل وهو متروك بل صرح بعضهم بأنه كذاب, فالاجترار - وفي بعض ألفاظ الحديث الاختلاج والمراد به الاجترار - من حيث الرواية لا يثبت, ومن حيث المعنى له آثار من الاعتداء على الآخرين, فالذي أدرك فضل الصف الأول ثم جاء شخص متأخر واجتره ليصف بجواره قد اعتدى عليه, وأيضاً ترك في الصف فرجة وهذه مخالفة للأمر بسد الفرج, فالمخالفات من حيث المعنى كثيرة, وقد يتعرض الجار لبطلان صلاة المجرور لأن بعض الناس لا يتحمل مثل هذه الحركات فيصدر من الأفعال ما تبطل معه صلاته.
133. على هذا فإن المسبوق أو الذي لا يجد مكاناً في الصف ولا يجد مساغاً إلى أن يصاف الإمام ينتظر حتى يأتي من يصلي بجواره ولو أدى ذلك إلى فوات الصلاة كلها, ولا يسوغ له بحال أن يعتدي على أحد, ولا يسوغ له أن يصف منفرداً خلف الصف لأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف, وإذا صلاها منفرداً خلف الصف فإنه يعيدها لو صلاها, لكن لو كبر خلف الصف ثم صف بجانبه أحد الداخلين قبل أن تتم له ركعة فصلاته صحيحة لحديث أبي بكرة المتقدم حيث ركع خلف الصف ثم دخل في الصف, فجزء من صلاته كان خلف الصف ولم يتمم ركعة كاملة التي هي أقل ما يطلق عليه صلاة.
134. لو أن شخصاً من الصف الكامل الذي لا فرجة فيه سمع بوجود شخص لا يجد مكاناً في الصف فتبرع وتأخر بنفسه فما الحكم؟ هذا تصدق على صاحبه بطوعه واختياره وآثره بفضيلة الصف المقدم, والإيثار في القرب يطلقون الكراهة فيه لا سيما في النوافل, لكن إذا ترتب على هذا الإيثار مصلحة عظمى من إدراك شخص لصلاة الجماعة فهل يحمد أن يتأخر الشخص ليحسن على هذا المتأخر فيصحح صلاته؟ أو يقال له (الرجل قصد الجماعة فله مثل أجرهم سواء أدرك الجماعة أو لم يدرك ولا داعي لمثل هذا الإيثار)؟ قد يستدل للإحسان والإيثار في مثل هذا الموقف بحديث (من يتصدق على هذا).
135. لكن ماذا عن ما لو كان المتصدَّق عليه لئيماً بحيث لما تأخر الذي في الصف المقدم صف هذا المتصدَّق عليه بمكان صاحبه الذي أحسن إليه وتأخر من أجله بحجة أنه تأخر بطوعه واخيتاره؟ ما حكم صلاة المتأخر وصلاة اللئيم؟ المتأخر المحسن إذا أكمل ركعة خلف الصف صار منفرداً خلف الصف, فإن تمت له ركعة كاملة خلف الصف فصلاته باطلة, وأما اللئيم الذي دخل في الصف صلاته صحيحة على ما عنده من لؤم, لأن الحظر الذي ارتكبه كان لأمرٍ خارج عن الصلاة ولا يتعلق بذات الصلاة فصلاته صحيحة بلا إشكال وإن كان مذموماً شرعاً وعرفاً.
136. المتأخر المحسن صار عنده تعارض بين صدقته على أخيه وبين تركه للصف الأول, فصار عنده مفاضلة بين أمور مستحبة, وإن كانت الفرجة في الصف أمرها أشد.
137. المخرج بالنسبة للمتأخر المحسن حتى لا تبطل صلاته لما صار منفرداً خلف الصف: ينوي الانفراد, لأنه إذا نوى الانفراد وهو خلف الصف فإن صلاته وهو منفرد صحيحة, ولا يمنع أن يتابع الإمام في الصورة لكن النية أنه منفرد, إنما الممنوع أن يصلي خلف الصف وهو يأتم بهذا الإمام, وحديث معاذ يدل على أن الشخص له أن ينوي الانفراد لعذر وتصح صلاته. فإن جاء معه أحد نوى الائتمام, لأنه كما أنه يجوز له أن ينوي الانفراد ويترك الجماعة فإنه يجوز له أن يدخل مع الجماعة بعد أن كان منفرداً.
138. قد يقال إن البقعة التي صلى عليها اللئيم مغصوبة فيكون حكم صلاته كحكم الصلاة في الدار المغصوبة, والذين يصححون الصلاة في الدار المغصوبة إنما يصححونها لأن النهي عاد على أمر خارج عن الصلاة ولا يعود إلى الصلاة نفسها لا إلى ذاتها ولا إلى ركنها ولا إلى شرطها فصلاته صحيحة مع التحريم.
139. من يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء ينتظر في الركعة الرابعة ويسلم مع الإمام, وإن كان مسبوقاً بركعة فإنه يأتي بالركعتين مع الإمام التي هي الثانية والثالثة ثم يجلس لأن الركعة الرابعة بالنسبة للإمام زائدة في حق المأموم فينتظر فإذا سلم يأتي بما فاته.
140. اثنان خلف الصف دخلا جميعاً ثم تذكر أحدهما أنه ليس على طهارة أو أحدث ثم انصرف: هذه الصورة تدخل في عموم حديث (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) والنبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة.
¥