تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نعم إن هذا الخاطر قد يجول في نفوس الطبقة الوسطى، الذين هم ما بين المترفين والمتوسطين، وهؤلاء في نظر الشرع ليسوا فقراء؛ لأنهم غير معوزين ([161]).

ويجاب على المعللين بالسرف بإباحة التحلي بالذهب والفضة للنساء؛ فلو كانت العلة السرف لحرم لبسهما عليهن لأن مقدار ما يلبسنه منهما أضعاف ما يمكن أن تصنع منه ملعقة أكل أو كأس شراب؛ ويرد عليهم أيضا بجواز استعمال الأواني المصنوعة من الجواهر النفيسة؛ لأنها أغلى ثمنا، فهي أقرب إلى الإسراف من أواني الذهب أو الفضة.

مناقشة التعليل بالتشبه بأهل الجنة: وما ذهب إليه الشوكاني من أن العلة هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة بعيد؛ لأنه قد ثبت أن لأهل الجنة كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وليس كل ما تشتهيه الأنفس محرما على المؤمنين في الدنيا، لأنه مباح لهم في الآخرة. إلا ما حرمه الشرع كالخمر، وهل يتبادر إلى عقل مسلم أن علة تحريمها لأنها مباحة في الجنة؟ كلا. فإن علة تحريمها هو الإسكار، ولو كانت علة تحريم الخمر التشبه بأهل الجنة لحرم علينا في الدنيا العسل؛ لأنه مما أعده الله لأهل الجنة. وقد استدل الشوكاني رحمه الله على إباحة استعمال آنية الفضة عنده فيما عدا الأكل والشرب بحديث (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا) ([162]). حديث حسن. إذ كيف يسوغ اللعب أو التحلي بالفضة فيما لو كانت العلة التشبه بأهل الجنة؛ لأنهم كما يطاف عليهم بآنية من فضة يحلون أيضا أساور من فضة ([163]). ويرد عليه في احتجاجه بالحديث على فرض صحة الاحتجاج به من وجهين.

أولها: ما وجه التفريق بين الذهب والفضة؟ مع أن حديث أم سلمة الذي جاء الوعيد بالنار هو في الشرب في آنية الفضة.

ثانيها: أن هذا الكلام في الأواني، والحديث في لباس الحلي.

والقائلون بأن العلة هي التشبه بالأعاجم. يرد عليهم بثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك ([164]).

الترجيح

بعد عرض العلل التي علل بها الفقهاء حرمة استعمال أواني الذهب والفضة، ومناقشتها، والوصول إلى نقض التعليل بالخيلاء، والتشبه بأهل الجنة، والتشبه بالأعاجم، يترجح لي والله أعلم أن علة تحريم استعمال أواني الذهب والفضة وكذلك تحريم تحلي الرجال بالذهب والفضة ماعدا خاتم الفضة هو تضييق النقدين،والإسراف؛ مما يؤدي إلى التوسع والإغراق في التنعم، وهو تنعم لا ينتج عنه قصد صحيح؛ فلو أبيح للناس أن يشربوا في أكوابه، وفناجينه، ويأكلوا في صحافه وجفانه، وطشوته، وغير ذلك من أواني الشرب، والأكل، أو يستعملوا هذين المعدنين النفيسين في الأكل والشرب وغيرهمامن الاستعمالات؛ لكثرت صياغته، فكان هذا إسرافا؛ يؤدي بالضرورة إلى قلة الأثمان. وقلة الأثمان له أضرار اقتصادية كبيرة؛ إذ يترتب عليه حدوث الانكماش الاقتصادي؛ مما يؤثر على دورة الحركة الاقتصادية العامة، وتعطل تبادل المنافع، ووقوع ارتباك في الأسواق التجارية.

ومن جهة أخرى فإن النقود الذهبية والفضية نقود سلعية؛ لها قيمة مادية في ذاتها، فإذا قلت، أو ندرت، بسبب استعمال معدنهما في الأواني أو لتحلي الرجال بها فإنها ترتفع قيمتها، مما يترتب عليه ارتفاع قيم الأسعار، ومنها أسعار المواد الغذائية، والملابس. وهذا فيه من الضرر الشديد على الأمة ما لا يخفى؛ مما يظهر أن من لطف الله بعباده شرع تحريم استعمال هذين المعدنين في الأواني ونحوها؛ لئلا يترتب عليه ما بينا من الأضرار. يؤيده نهي الشريعة عن كسر الدراهم الصحيحة؛ لأن الكسر يذهب شيئا من قيمة الدرهم بالنسبة إلى بقائه.

يعضد ما ذهبنا إليه النهي عن التفاضل عند تبادل الجنس الواحد منهما؛ لأنه ربا.

قال الغزالي: (وكل من اتخذ من الدراهم والدنانير آنية من ذهب أو فضة فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنز؛ لأن مثال هذا مثال من استسخر حاكم البلد في الحياكة والمكس والأعمال التي يقوم بها أخساء الناس، والحبس أهون منه. وذلك أن الخزف والحديد والرصاص والنحاس تنوب مناب الذهب والفضة في حفظ المائعات عن أن تبدد، وإنما الأواني لحفظ المائعات. ولا يكفي الخزف والحديد في المقصود الذي أريد به النقود) ([165]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير