؛ لأنه أول من سن القتل، وهذا شأن كل مَن سَنّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة، وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس
أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً يقول الله تعالى: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)) [المائدة: 32] وهذا الحكم وإنْ كان ظاهره خاصاً ببني إسرائيل إلا إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الآية فقال: ((قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال: والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دماءنا)) (25).
أخي المسلم الكريم، إنَّ الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم، وأثنى عز وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة، وقد توعّد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) [النساء: 93].
فاستحضر أخي المسلم هذا التهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير فأيُّ تهديدٍ بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد كل ذلك؛ لأنَّ المسلم له مكانة عند الله تعالى. ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أنْ تُصانَ، وأن يُغضَب لإراقتها.
أخي المسلم الكريم قد بيّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى فقد صحّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله
من زوال الدنيا)) (26) وفي رواية أخرى: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ)) (27).
وفي حديث آخر: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق)) (28) فهذه مكانة المسلم عند الله تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك؟!!
فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق، زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحلافها، وكل ما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. بل المسلم له حرمة حتى بعد موته فقد نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت، وأخبر أنَّ عظم الميت إذا كُسر فكأنما كُسر وهو حيٌّ، فقد صحّ عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً)) (29).
أخي المسلم الكريم، إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذّر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال: ((سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر)) (30) وقال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) (31) وبيّن أنَّ هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال:
((اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا
بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) (32) وقال أيضاً: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور)) (33). وروى النسائي (34) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر كان له الجنة)) فسألوه عن الكبائر فقال: ((الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف)).
وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله (يعني سره ذلك وفرح به) لن يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)) (35).
¥