ويضاف إلى ذلك أن جمهور الفقهاء قد نصوا على أن المسافر إذا نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر لا يجوز له أن يقصر أو يجمع ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى وخرج من مكة متوجهًا إلى المدينة بعد أيام التشريق).
قال الإمام الشوكاني: [والحق أن من حط رحله ببلد ونوى الإقامة بها أياماً من دون تردد لا يقال له مسافر فيتم الصلاة ولا يقصر إلا لدليل ولا دليل ههنا إلا ما في حديث الباب من إقامته صلى اللَّه عليه وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة والاستدلال به متوقف على ثبوت أنه صلى اللَّه عليه وسلم عزم على إقامة أربعة أيام إلا أن يقال إن تمام أعمال الحج في مكة لا يكون في دون الأربع فكان كل من يحج عازماً على ذلك فيقتصر على هذا المقدار ويكون الظاهر والأصل في حق من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام هو التمام وإلا لزم أن يقصر الصلاة من نوى إقامة سنين متعددة ولا قائل به. ولا يرد على هذا قوله صلى اللَّه عليه وسلم في إقامته بمكة في الفتح إنا قوم سفر كما سيأتي لأنه كان إذ ذاك متردداً ولم يعزم على إقامة مدة معينة] نيل الأوطار 3/ 237.
ومن المعلوم أن السجين يقيم في سجنه أكثر من أربعة أيام بل إن بعضهم يقيم أشهراً وسنواتٍ فلا يصح إلحاقه بالمسافر.
وكذلك فإن القول بأن السجين ملحق بالمسافر فمعنى ذلك أنه لا يجب عليه صوم رمضان ولا يصلي جماعة ولا جمعة ولا صلاة العيد وفي هذا حرمان من خير كثير وخاصة إذا كان محكوماً لمدة طويلة وكذلك فإنه يخسر المعاني العظيمة التي تترتب على إقامة هذه الشعائر.
وإذا قررنا انتفاء العلة التي تلحق الأسير بالمسافر بطل القول بجواز جمع السجين بين الصلوات أيضاً لأن انتفاء العلة يعني نفي الحكم فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً ويجب أن يعلم أن كل من يجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فجمعه باطل أي إن صلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدر لها شرعاً فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة والأصل في الصلوات الخمس أن تصلى كل منها في وقتها الشرعي قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} سورة النساء الآية 103. قال الشوكاني في تفسير الآية: [أي محدوداً معيناً يقال وقَّته فهو موقوت ووقَّته فهو مؤقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما] تفسير فتح القدير 1/ 510. وكذلك فإن من جمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فقد ارتكب حراماً بل كبيرة من كبائر الذنوب كما نص على ذلك الشيخ ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 288 - 289.
وقد ذكر ابن كثير عن أبي قتادة العدوى قال: قرئ علينا كتاب عمر (من الكبائر جمع بين الصلاتين يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنهبة). وهذا إسناد صحيح والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي، فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكباً كبيرةً فما ظنك بترك الصلاة بالكلية) تفسير ابن كثير1/ 485.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن ترك صلاة واحدةً عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر فأجاب: [الحمد لله، نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر، بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، وقد رواه الترمذى مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر). ورفع هذا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإن كان فيه نظر فإن الترمذي قال العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له] مجموع الفتاوى 22/ 53 - 54.
وخلاصة الأمر أن قياس السجين على المسافر قياس باطل فلا يجوز للسجين أن يقصر الصلاة الرباعية ولا أن يجمع بين الصلاتين إلا إذا سافر حقيقة. وأنصح إخواني المساجين – فك الله أسرهم - بأن يلتزموا بما قرره أهل العلم وأحذرهم من التساهل في الجمع والقصر لأن جمعهم وقصرهم يعتبر باطلاً.
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[04 - 08 - 07, 06:27 م]ـ
يبدو أنني سأنشد:
اتيت القبور فناديتها .... !!
هناك أدب للسؤال، وأهل هذا الملتقى المبارك ليسوا أمواتا، فلا تعتدي أخي في كلامك فهذا مما يبعد عنك الخير وينفر أهل العلم فلا يجيبوك، ولو توددت وتلطفت في الكلام ودعوت بخير لمن أجابك؛ لساق الله إليك من يرغب في دعوتك ويشفي غليلك ويريحك!!