وقد دل الدليل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج، فعن جابر قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار، مثل حصى الخذف، وقال: ((خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) (1).
وبالرغم أمره الكريم لسائر صحابته رضوان الله عليهم، وكانوا أكثر الناس التزاماً وحرصاً على إتباعه صلوات الله عليه وسلامه، إلا أن النفس البشرية قد غلبت عليهم، وأصابهم النسيان.
ومع ذلك نجد أن الرسول الكريم كان رفيقاً بأمته فأراد لها التيسير والتخفيف، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: ((اذبح ولا حرج))، فجاء آخر فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال: ((ارم ولا حرج))، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) (2).
قال ابن حجر العسقلاني: ((إن الدليل دل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: ((خذوا عني مناسككم)) وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل لم أشعر)) (3).
ثم أضاف: (( ... مجموع الأحاديث عدة صور، وبقيت عدة صور، لم تذكرها الرواة، إما اختصاراً، وإما لكونها لم تقع، وبلغت بالتقسيم أربعا وعشرين صورة، منها صورة الترتيب المتفق عليها)) (1).
فرخصة رسول الله صلوات الله عليه وسلامه لصحابته الذين سألوه عن تقديم أو تأخير بعض النسك، وهي رخصة نحن في أمس الحاجة إليها الآن، ولا نغفل ما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم وأباحه ورخص فيه عندما أجاب الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الإجابة التي تنم عن تيسير.
وحيث أنه توجد في المنطقة الواقعة شرق المسعى ساحة كبيرة خصصت لاستيعاب المصلين، وهي ممتدة حتى حدود مكتبة مكة المكرمة من جهة الشرق، فإني أقترح زيادة المسعى بما يعادل قدر مساحته الحالية من هذه الجهة، ووجود هذه الساحة يسهل إنشاء هذه التوسعة، وذلك بعمل قواعد خراسانية تتصل بأصول جبلي الصفا والمروة، وتستمر في المنطقة المحاذية لمنطقة المسعى، بحيث تصل إلى ضعف المساحة التي هي عليها الآن، على أن تخصص المساحة المقترحة للساعين من الصفا إلى المروة، ويخصص الجزء القديم القائم حالياً للساعين من المروة إلى الصفا.
مع الاستفادة من الأبواب الموجودة على المسعى وعددها (16 باب) لتكون معابر للداخلين إلى المسجد الحرام، مع رفع المسعى الحالي عما هو عليه حالياً بمقدار يتراوح مابين 3 – 4 أمتار، أو إبقائه على حاله، مع خفض الممرات المقترحة أسفل المسعى الحالي، لتمكين المارين إلى داخل المسجد من المرور من تحته من غير مزاحمة الساعين، مع مراعاة التهوية اللازمة، وذلك بالاستعانة بأهل الخبرة من المهندسين والفنيين في ذلك.
وبذلك تتحقق فائدة، وهي: أن من يرغب السعي في المسعى المقترح زيادته سيكون هدفه الأساسي السعي فقط، دون أي هدف آخر كالصلاة ونحوها، كما أن الممرات التي سوف تخصص لمرور المصلين إلى داخل المسجد الحرام ستجعل للمرور انسيابية وسلاسة، ولا يختلط المصلون مع الساعين.
وحيث أن ارتفاع الدور الأول من المسعى يقارب (12 متراً)، فإذا اختزلنا منه (3 أو 4 أمتار) يبقى الارتفاع المقترح من 8 إلى 9 أمتار، وأرى أنه مناسب جداً، ويعمل في الدور الثاني من المسعى ما عمل في الدور الأول.
والمسعى المقترح يربط بجسر، ودرج من داخل المسجد، يصعد إليه من جهة الصفا، حيث مبتدأ السعي، ويعمل جسر مماثل، وكذا درج يهبط به من جهة المروة إلى الساحة الشرقية.
وقد يعترض البعض على هذه التوسعة بحجة أنها خرجت عن حدود جبلي الصفا والمروة.
والإجابة على هذا الاعتراض أن قاعدة الجبل أعرض طبيعة من قمته، وهي ممتدة في الأرض يميناً ويساراً بقدر يسمح بإضافة التوسعة المقترحة.
كما أن الزيادات الهائلة في أعداد الحجاج والزوار والمعتمرين تضطر، وهذا الأمر دفع ولاة الأمر في هذه البلاد السعودية إلى اتخاذ ما يرونه مناسباً للتيسير على المسلمين ودرء المشقة عنهم بما لا يخل بمقاصد الشرع، خاصة في ظل زيادة أعداد المسلمين في العالم والتي بلغت ما يقارب من المليار والنصف، مع تطور وسائل المواصلات، مما جعل القادمين للحج والعمرة في ازدياد مضطرد عاماً بعد آخر؛ حتى زاد عددهم عن المليونين.
فهذه التوسعة تشبه اتصال صفوف المصلين خارج المسجد عند امتلاء المسجد بالمصلين، واللجوء للساحات والشوارع المحيطة به، لأداء الصلاة مع الجماعة، وقد جوز الفقهاء ذلك، طالما اتصلت الصفوف.
وقد استجدت مستجدات، وطرأت أمور تتطلب أن نعيد النظر في مواجهة الأعداد الكبيرة من الحجاج والزوار والمعتمرين، بما لا يمكن بحال أن تستوعبه مساحة كل شعيرة، من هنا أصبح لزاماً علينا التفكير في الحلول المناسبة في ضوء مستجدات العصر، وتفعيل آراء الفقهاء المعتبرين المعتمدة أقوالهم، على اختلاف مذاهبهم، دونما تعصب لمذهب أو لرأى بعينه، ما دام أن ذلك يسهم في بلوغنا الهدف الأسمى وهو أداء نسك صحيح، مع الحفاظ على سلامة الحجاج والزوار والمعتمرين والمصلين، دون خروج عن مقاصد الشرع الشريف،
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
والحمد لله رب العالمين ..
كتبه
أ. د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
مكة المكرمة
رمضان 1427هـ
¥