تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تحت السقف هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مبينا بالسعي فيه مراد الله في كتابه قائلا: «خذوا عني مناسككم» (1) وأن أفعاله صلى الله عليه وسلم المبينة للقرآن لا يجوز العدول عنها لبدل آخر إلا لدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة - علمت بذلك أن العدول بالسعي عن المسعى النبوي إلى المسعى الجديد الكائن فوق السقف الذي فوق الصفا والمروة يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو سنة رسوله، ويحتاج جدا إلى معرفة من أخذ عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرنا بأخذ مناسكنا عنه هو وحده صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن لنا في أخذها عن زيد ولا عمرو.

فعلينا أن نتحقق الجهة التي أخذنا عنها هذا المنسك الجديد؛ لأن المناسك مرهونة بأمكنتها وأزمنتها، ولا يجوز التحكم في مكان أو زمان غير الزمان والمكان المحدودين من قبل الشارع، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين الأمكنة التي أنيط بها النسك، وعمم البيان في ذلك، وجعله شاملا للأمكنة التي أقام فيها هو النسك، وغيرها من الأمكنة الصالحة للنسك، كقوله صلى الله عليه وسلم: «وقفت هنا وعرفة كلها موقف» (2) ونظير ذلك في مزدلفة ومنى بالنسبة للنحر كما هو معلوم.

الأمر الرابع: أن السعي في المسعى الجديد خارج عن مكان السعي الذي دلت عليه النصوص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الظرف المكاني للسعي بالنسبة إلى الصفا والمروة هو ظرف المكان الذي يعبر عنه بلفظة: (بين) وأما المسعى الجديد فظرفه المكاني بالنسبة إلى الصفا والمروة هو لفظة (فوق) ومعلوم أن لفظ: (بين) ولفظ: (فوق) وإن كانا ظرفي مكان فمعناهما مختلف، ولا يؤدي أحدهما معنى الآخر؛ لتباين مدلوليهما، فالساعي في المسعى الأعلى الجديد لا يصدق عليه أنه ساع بين الصفا والمروة، وإنما هو ساع فوقهما، والساعي فوق شيئين ليس ساعيا بينهما؛ للمغايرة

الضرورية بين معنى: (فوق) و (بين) كما ترى.


(1) سنن النسائي مناسك الحج (3062).
(2) صحيح مسلم الحج (1218).

ويزيد هذا إيضاحا ما ثبت في الصحيح من حديث - عائشة رضي الله عنها المرفوع، وإن ظن كثير من طلبة العلم أنه موقوف عليها. فقد روى البخاري عنها في جوابها لعروة بن الزبير في شأن السعي بين الصفا والمروة أنها قالت ما لفظه: «وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما؛ فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما» (1) انتهى محل الغرض منه بلفظه.
فتأمل قولها وهي هي، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، وقولها: (فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) وتأمل معنى لفظة (بين) يظهر لك أن مفهوم كلامها: أن من سعى فوقهما لم يأت بما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك ليس له. وهذا المعنى ضروري للمغايرة الضرورية بين الظرفين، أعني: (فوق) و (بين) وفي لفظ عند مسلم عنها أنها قالت: «ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة» (2) انتهى محل الغرض منه، وهو يدل على أن من طاف فوقهما لا يتم الله حجه ولا عمرته؛ لأن الطائف فوقهما يصدق عليه لغة أنه لم يطف بينهما، وفي لفظ لمسلم عنها: أنها قالت: «فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة» (3) وقد علمت أن الساعي فوقهما لم يطف بينهما. وقد أقسمت على أن من لم يطف بينهما لا يتم حجه كما ترى.
واعلم أن ما يظنه بعض أهل العلم من أن حديث عائشة هذا الدال على أن السعي بين الصفا والمروة لا بد منه، وأنه لا يتم بدونه حج ولا عمرة أنه موقوف عليهما غير صواب. بل هو مرفوع.
ومن أصرح الأدلة في ذلك أنها رتبت بالفاء قولها: (فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) على قولها:

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير