تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحُقَّ -لذلك- لأهل العلم في هذه البلاد، وغيرهم من ديار الإسلام، وأهل الولاية والحكم في ديارنا هذه الذين يرون ما يعانيه وفد الله في الحج والعمرة من مشقة ورهق، وضيق بالآلاف المؤلفة في أداء مناسكهم- أن ينظروا إلى قائد مسيرتهم في هذه البلاد المباركة، وراعي ركبهم فيها، والساهر على مصالح رعيته، وغيرهم من إخوانه المسلمين الذين يقصدون هذه الديار لحج أو عمرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ووفقه ليوسع لهم ما يمكن توسيعه من عرض معلم المسعى الذي ضاقت بهم جنباته، وغصت بجموعهم سبله حتى دهس بعضهم بعضاً، فيه فأزهقت بسبب الازدحام والزحام فيه أنفس معصومة جاءت إلى هذه الديار راغبة في غفران الله لذنوبها، مؤملة أن تعود إلى أهلها وديارها سالمة غانمة فأزهقها ضيق المكان وركل الإنسان الذي ضاق به معلم عبادته مع إمكان إفساح ساحته دون مانع شرعي، ولا عائق طبيعي، وإذا كان هذا الشأن بهذه المثابة، والحج أحد أركان الإسلام الخمسة، والسعي بين الصفا والمروة أحد أركان العمرة إن كانت مفردة، فإن الحال يدعونا إلى بيان المراد بكل من الصفا والمروة، وامتداد عرض كل منهما؛ حتى يقع سعينا في الموضع الذي سماه الله لنا، وعيَّنه لأداء تعبدنا له فيه إذا وسعنا عرضه.

تعريف الصفا ووصفه:

وهنا أقول: إن الصفا الوارد ذكره في قول الله عز وجل:"إن الصفا والمروة من شعائر الله .. " [البقرة:158] (جبل في سفح جبل أبي قبيس) (مجلة العرب المجلد الخامس صـ 116 شعبان عام 1390هـ) معروف بذاته وصفاته يمتد ارتفاعاً في سنده (السند هنا ما قابلك من الجبل وعلا عن سفحه، القاموس المحيط مادة سند)، ويمتد في أصله وقاعدته الغربية جنوباً إلى منعرجه نحو أجياد الصغير (موضع قصر الضيافة اليوم)، ويمتد شمالاً إلى منعطفه نحو البطحاء (موضع الساحة الواقعة اليوم أمام باب العباس).

وليس الصفا مقصوراً على الحجر الأملس الذي كان موجوداً هنالك، ولا على ما هو مشاهد اليوم في الموضع الذي يبدأ منه الساعون سعيهم كما يتبادر إلى بعض الأذهان من مشاهدة العيان، إذ لو كان الأمر كذلك لاستدعى الحال أن نضيق من عرض المسعى!!

وهذا مما لا يقول به عاقل.

وكانت أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد تمتد ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر عام 1375هـ في عهد الملك سعود رحمه الله، وكان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بجبل أجياد الصغير ثنية يُصعد إليها من أجياد الصغير، ثم تنحدر منها طريق تمر وسط سقيفة مظلمة، ومنها تنزل الطريق من فوق هذا الجبل متعرّجة بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة من جبل الصفا حتى تصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم من غربه.

كما كانت البيوت السكنية شابية على جبل الصفا من كل ناحية تفترش قمته وأكتافه، وظهره وسفحه الشمالي والجنوبي ووسطه وما يحيط بموضع ابتداء السعي منه، فغطّت معالمه ومنحدراته التي تعلوها في الجبل أصلاد (صخور) جبل أبي قبيس التي استعصى كثير منها على التسهيل لبناء الناس عليها يوم ذاك.

ولما ابتدأت هدميات هذه التوسعة ظهر للعيان جبل الصفا على حقيقته الجغرافية الطبيعية التي خلقه الله عليها يوم خلق السماوات والأرض، وأن امتداد طرفه الغربي الجنوبي المحاذي لسيل البطحاء من جنوبها كان يصل قبل إزالته في التوسعة إلى موضع الباب الشرقي للسلم الكهربائي الصاعد اليوم إلى الدور الثاني من المسجد الحرام من ناحية أجياد، وإلى موضع قصر الضيافة الملاصق للبيوت الملكية من الجهة الجنوبية، الذي موضعه الحالي جزء مرتفع من جبل الصفا.

فلا تعجب -والحال ما ذكرت لك- من تسمية كل هذه المنطقة من هذا الجبل باسم (جبل الصفا)؛ لأن أهل مكة في إبان أرومتهم العربية في الجاهلية والإسلام هم الذين سموه بهذا الاسم، وتبعهم في ذلك سكانها من بعدهم، إذ كان من عادة واضعي اللغة الذين يحتج بكلامهم في بيان المراد بمعاني الألفاظ في تفسير القرآن وغريب الحديث النبوي أن يسموا بعض أجزاء جبل ما، أو واد ما باسم خاص به يميز ما سموه منه عن اسم أصله لوصف قائم بذلك الجزء من الجبل، أو الوادي كما هو الحال في تسميتهم أصل جبل أبي قبيس من ناحيته الغربية والغربية الجنوبية وما بينهما من امتداد بالصفا الذي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير