وكذلك سماها جبلاً كل من الآلوسي في كتابه بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب فقال:"وأما المروة فجبل بمكة يعطف على الصفا يميل إلى الحمرة" (بلوغ الأرب 1/ 239)، وكذلك سماها جبلاً ابن سيده في المحكم (المحكم لابن سيده 10/ 336)، والبكري في معجم ما استعجم (معجم ما استعجم للبكري 4/ 1217) والحموي في معجم البلدان فقال:"الصفا والمروة وهما جبلان بين بطحاء مكة والمسجد الحرام" (معجم البلدان 3/ 411).
وكل هذا أيضاً يدل صراحة على أن المروة جبل قائم بذاته وصفاته ممتد الجوانب واسع الواجهة المقابلة من الشمال لجبل الصفا، وامتداده إلى منعطفه نحو الوادي المواجه من الشمال الشرقي لبطن المسعى.
كما يدل على هذا بقوة قول قصي الجد الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يمتدح ويفخر ويُظهر بسط سلطانه على أرض المروة وما جاورها من أراض حيث يقول (السيرة النبوية لابن هشام 1/ 135):
لي البطحاء قد علمت معد ... ومروتها رضيت بها رضيت
إذ من المعلوم أنه كان يعني بقوله هذا "جبل المروة" وكل امتداداته وما حوله من الأرض التي هي محل للرغبة في التملك والسكن والسيادة التي يفخر بمثلها مثله، ولا يقصد بحال من الأحوال ذات المروة التي هي الحجر الأبيض، لوجود هذا النوع من الحجر وتوفره في كل موضع من السهل والجبل.
وهو على هذا المعنى الأخير لا يُفخر بتملكه ولا بحيازته، إذ ليس فيه مطمع لأحد ولا حاجة له به.
ويؤيد ما أقول من اتساع جبل المروة في تكوينه الطبيعي الكبير الممتد شرقاً وغرباً عما هو عليه الآن إذ قد أزيلت معالمه الشرقية، وقطعت متونه وأكتافه وامتداداته العضوية التي خُلق عليها في التوسعة للحجاج والمعتمرين والقاطنين عام 1375هـ.
أقول يؤيد قولي هذا ما رواه الأزرقي في موضعين من تاريخه (أخبار مكة) بسنده من طريق علقمة بن نضلة قال:"وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحدائين فضرب برجله فقال:"سنام الأرض إن لها سناماً، يزعم ابن فرقد أني لا أعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجنى" (أخبار مكة للأزرقي 2/ 165،237 وتجنى ثنية قريب الطائف)، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن أبا سفيان لقديم الظلم، ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته" (نفس المصدر، وانظر العقد الفريد 4/ 272).
وسواد المروة هو ما امتدت إليه مساحة المروة السوداء، ووصل إليه عرضها من ناحيتها الغربية من طرف جبل المروة الغربي المواجه من الشمال اليوم لباب الفتح.
وبياضها هو ما امتد إليه عرض جبلها من ناحيته الشرقية مما يلي دار أبي سفيان الذي يقع اليوم مكانه على يسار النازل من المدعى إلى الساحة الشرقية من المروة، وما يتصل بها من الساحة الشرقية من المروة، وما يتصل بها من الساحة الواقعة شرق المسعى، وهو داره الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:" .. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" (أخبار مكة للأزرقي 2/ 235) وابن فرقد هذا الذي كان يشاحن أبا سفيان في المروة هو عتبة بن فرقد السلمي حليف بني عبد المطلب ابن عبد مناف.
وكانت داره برباع حلفاء بني عبد المطلب بن عبد مناف بشق المروة السوداء التي أقر أبو سفيان في قوله هذا بملك ابن فرقد لها.
ومما يؤيد وجود كل من المروتين هاتين، وأنهما كانتا معروفتين عند أهل مكة آنذاك، وأن لكل من أبي سفيان ملكاً في المروة البيضاء، ولابن فرقد ملكاً في المروة السوداء أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم ينفِ ملك أي منهما لما يملكه، ولا نفى وجود واحدة من المروتين، وإنما ذم توسع ادعاء أبي سفيان في ملك ما ليس يملكه هذه واحدة.
والأخرى أن أبا سفيان عربي اللسان والأرومة يحتج بكلامه في تفسير معاني الألفاظ، وتعيين المسميات وتحديد المعالم والأمكنة في ديارهم، وكلامه هذا يدل على وجود مروتين في جبل المروة وليس مروة واحدة.
¥