فهذا عمل اثنين من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم والعض عليها بالنواجذ.
وهو – أيضاً – عمل صحابي آخر هو أحد خلفاء المسلمين وحكامهم.
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على هذا وأقروه حيث لم يعترض منهم أحد على هذا العمل، بل حَبَّذوه ورأوه عملاً صالحاً تم لمصلحة المسلمين.
ثالثها، أن المسعى الحالي ليس هو في عرضه على ما كان في العهد النبوي، ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم، بل اقتصر من عرضه بزحف المباني عليه من ناحيته: الغربية والشرقية.
1 – أما من الناحية الغربية فيدل على ذلك أن البيوت كانت لاصقة بالمطاف مرتصاً بعضها بلصق بعض من المطاف إلى المسعى حيث كان:
أ - دار الأزرق بن عمرو الغساني جدره لاصق بالمطاف من ناحية الشرق، فاشترى ابن الزبير نصفها وأدخله في المطاف. ثم اشترى بقيته المهدي العباسي عام 160 هـ فأدخلها المطاف.
ب ـ واشترى دار خيرة بنت سباع الخزاعية التي كانت لاصقة بدار الأزرق من الشرق وبابها الشرقي كان شارعاً مفتوحاً مباشرة على المسعى قبل أن يؤخر عن موضعه، وَوُضع المسجد في موضع دارها ودار آل جبير بن مطعم، وجميع الدور التي كانت بين المسجد والمسعى فَوُضِع المسجد في موضعها وأّخَّرَ المسعى إلى موضعه الذي هو فيه اليوم (4) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#7).
ج ـ وفي توسعة المهدي الثانية عام 167هـ أمر بشراء الدور التي كانت باقية بين المسجد والمسعى فاشتريت وهدمت وهدم أكثر دار محمد بن عباد العائذي الكائنة عند العلم الأخضر بركن المسجد من جهة الصفا وما جاورها توسعة للمسجد وللمسعى.
قال الأزرقي: " فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، وجعلوا المسعى والوادي فيها" (5) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#9) أي نقلوا المسعى من بطن المسجد إلى موضع الدور التي هدموها.
أقول: ما اختُصِر من عرضه حينا، وزيد فيه حينا آخر يجوز اليوم حتماً توسيع عرضه محافظة على سلامة الساعين وحياتهم بدفع الازدحام عنهم فيه بقيد ما ذكرته سابقاً في بياني لحدود جبلي الصفا والمروة.
دـ هذا من ناحيته الغربية، وأما من ناحيته الشرقية فإن عدم منع الناس من الزحف عليه ببناء منازلهم وأسواقهم على جانبه الشرقي قد ضيق عرضه كثيراً يدل على هذا ما رواه الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين (3/ 502 - 503) من أن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم قال – وهو يخبر عن طمع أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور (6) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#11) في امتلاكه لدارهم التي هي دار جدهم الأرقم بن أبي الأرقم التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتمع فيها بأصحابه في أول أمر دعوته صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله وحده، وكانت تسمى " دار الإسلام " في حجة حجها حين كان يسعى بين الصفا والمروة، وهم على ظهر الدار ينظر إليهم من حين يهبط من الوادي حتى يصعد إلى الصفا.
قال: " فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوته لأخذتها ".
أقول: قوله هذا يدل صراحة على أن دار الأرقم بن أبي الأرقم التي كانوا يجلسون على ظهرها، وأمير المؤمنين أبو جعفر يصعد إلى الصفا من تحتها كان موقعها على شفا الطرف الشرقي من الصفا على يمين النازل منه.
وموقع هذه الدار معروف قديماً وحديثاً لم يتغير منذ كان.
وهو الآن خارج جدر الصفا الشرقي يكون بعض منه في موضع المبنى اللاصق بالمسعى من الشرق مقر إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمكة اليوم.
وكان يقوم على موقعه قبل التوسعة السعودية للمسعى دار الحديث التي كان مديرها شيخنا محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله المتوفى سنة 1392هـ.
ويوم أن كانت داراَ للحديث كان بينها وبين طرف الصفا الشرقي أكثر من عشرين متراً.
وهذا يدل على أن المنازل في تلك الأيام قد تقدمت عليها، وحالت بينها وبين الصفا الذي كانت هي على طرفه تماماً مما يدل على أن أصحاب تلك المنازل قد بنوها على موضع السعي من الصفا، فضيقوا عرضه واعتدوا على أرضه دون أن يمنعهم أحد.
وحاصل القول في أن توسيع عرض المسعى من الجهة الشرقية بقدر ما يماثل المسعى الحالي ليكون القديم للآتي من المروة إلى الصفا، ويكون الجديد للنازل من الصفا ذاهباً إلى المروة عمل مبرور وسعي مشكور لا حرج فيه لا شرعاً، ولا عرفاً، لتحقق كونه بين جبلي الصفا والمروة كما حققت هذا آنفاً هذا أولاً.
ولتحقيقه المصلحة والسلامة للمسلمين الساعين فيه للحج، أو عمرة ثانياً.
اقتراح تجميلي:
مما ينبغي عمله وإظهاره للعيان لجميع الساعين والرائين أيضاً أن إذا يسَّر الله توسيع عرض المسعى على ما قلت أن يقام في موضع الصفا صفاً صناعياً على مثل وشكل الجبل الذي أزيل يتدرج ارتفاعه من أسفل إلى فوق.
وكذلك تقام مروة بيضاء مثل الجبل الذي أزيل يتدرج ارتفاعها من أسفل إلى فوق، حتى تطمئن القلوب، ويذهب عنها ما قد يوسوس به الموسوسون، وينصرف النظر عن الاشتغال بما لا داعي له من تمحُّل.
(1) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#2) تاريخ مكة للأزرقي تحقيق ابن دهيش 2/ 860، أخبار مكة للفاكهي 3/ 276 تحقيق ابن دهيش.
(2) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#4) أخبار مكة للأزرقي 1/ 75 سطر 2.
(3) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#6) أخبار مكة للأزرقي 1/ 79 سطر 5، إتحاف الورى 2/ 214 سطر 14.
(4) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#8) أخبار مكة للأزرقي 2/ 69 - 75 باختصار.
(5) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#10) الأزرقي 2/ 80،79
(6) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=11971#12) تولى الخلافة سنة 136 هـ وتوفي سنة 158 هـ
¥