وهي إنما كان فيها تحديد لعرض المسعى في زمانهم وليس فيها تحديدا لجبلي الصفا والمروة، فلا يصح الاحتجاج بها، قال مجاهد بن جبر (هذا بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الناس انتقصوا منه) (رواه ابن أبي شيبة)، والذي يظهر – والله أعلم – أن حدود جبلي الصفا والمروة أوسع بكثير من حدود المسعى الحالي (القديم) كما تشير لذلك بعض أشعار العرب، ومن ذلك قول الأعشى الشاعر المشهور (المتوفى في السنة السادسة من الهجرة) هاجيا عمير بن المنذر:-
فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا ولا لك حق الشرب من ماء زمزم
(ديوان الأعشى ص214)
وهذا يدل على اتساع جبل الصفا وأنه موضع للسكن والاستقرار، وليس هو الحجر الأملس بدليل أنه قابله بذكر الحجون وهو جبل متسع محل للسكنى
ويقول مضاض بن عمرو بن الحارث:-
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
(أخبار مكة (1/ 97)
ويقول قصي بن كلاب في قصيدة مشهورة:-
أنا ابن العاصمين بني لؤي بمكة مولدي وبها ربيت
ولي البطحاء قد علمت معد ومروتها رضيت بها رضيت
(السيرة النبوية لابن هشام 1/ 135)، أخبار مكة (1/ 107)
والشاهد قوله (ومروتها رضيت بها رضيت) وهو يشير إلى اتساع المروة وأنها محل للرغبة والتملك والسكنى ولهذا أشار إلى رضاه بها
وهذه الأشعار وغيرها مما هو مذكور في كتب الشعر والأدب تدل على اتساع جبلي الصفا والمروة وأنه قد كان هناك من الناس من كان ساكنا على جبلي الصفا والمروة، و في الوقت الحاضر شهد بذلك أكثرمن عشرة شهود من كبار السن الذين عاصروا بعض معالمهما قبل إزالتها.
والحاصل:- أن الأقرب في هذه المسألة هو أنه لابأس بالسعي في المسعى الجديد، وأن المسعى الجديد يحده الصفا والمروة فمن سعى فيه فقد سعى بين الصفا والمروة وأتى بهذا الركن - أو الواجب- المطلوب شرعا عند أداء النسك.والله أعلم
حرر في 17/ 3/1429هـ
كتبه: د/ سعد بن تركي الخثلان
الأستاذ المشارك في قسم الفقه بكلية الشريعة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
http://www.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=24895&Itemid=35
ـ[نصر]ــــــــ[05 - 04 - 08, 02:54 م]ـ
حسنُ المسعى في تاريخ المسعى
سلطان بن عبد الرحمن العيد - إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد بالرياض
إن تاريخنا - نحن المسلمين - هو تاريخُ الإسلام، هناك عند الحجر الأسود وزمزم، والحِجر والملتزم، هناك على الصفا والمروة، كان لنا تاريخُ عز ونصر، وبركة وتأييد، وتوبة وإنابة لرب ذلك البيت العتيق {إِنَّ أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبراهيم وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ استطَاعَ إليه سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فإن الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
إن تاريخنا - نحن أهل الإسلام - مُشرقٌ وضَّاء، مبدوء بما بدأ به الرسل والأنبياء، لما أقبل رسول - صلى الله عليه وسلم - على الصفا قرأ الآية {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه} ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (أبدأ بما بدأ الله به).
قال الله - جل وعلا - في بيان هذه الشعائر التي هي من شعائره: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فإن اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)} عن عروة عن عائشة قال: (قلتُ: أرأيتِ قول الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قلتُ: فو الله ما على أحد جناح ألا يطوف بهما. فقالت عائشة - رضي الله عنها -: بئس ما قلتَ يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أوَّلتها عليه كانت (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)، ولكنها إنما أنزلت: أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المُشلَّل، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بهما، فسألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله - عز وجل -: (إِنَّ
¥