الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) قالت عائشة: ثم قد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما). رواه الإمام أحمد والشيخان.
وفي رواية عن الزهري أنه قال: (فحدثتُ بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: إن هذا العلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يقولون: إن الناس - إلا من ذكرت عائشة - كانوا يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار: إنما أُمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة؛ فأنزل الله - عز وجل - (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ)، قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فلعلها نزلت في هؤلاء وهؤلاء).
روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال: سألت أنساً - رضي الله عنه - عن الصفا والمروة فقال: (كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله - عز وجل -: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ .. ).
المسعى في الجاهلية
* وأما حال المسعى في الجاهلية فقد ذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس قال: (كانت الشياطين تفرَّقُ بين الصفا والمروة الليل كله، وكانت بينهما آلهة - أي أصنام- فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطواف بينهما فنزلت هذه الآية).
وقال الشعبي - رحمه الله -: (كان إساف على الصفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما، فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية).
وقد ذكر الإمام محمد ابن إسحاق في كتاب (السيرة)، أن إسافاً ونائلة كانا بشرين، فزنيا داخل الكعبة، فمسخا حجرين، فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عُبِدا، ثم حُولا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، فلهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة:
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم
لمفضى السيول من إساف ونائلِ
أصل السعي
* وأما أصل السعي بينهما .. فهو ما عملته هاجر عليها السلام؛ وكان من خبرها ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (أول ما اتخذ النساء المِنطَق - وهو ما تشد المرأة في وسطها عند الشغل؛ لئلا تعثر في ذيلها - من قِبَل أم إسماعيل؛ اتخذت مِنطقاً لتخفي أثرها على سارة، فلما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بهاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه إلى مكة، فوضعهما هناك عند البيت، أي: عند المكان الذي سيبنى فيه البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هناك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاءً أو شنة فيها ماء؛ فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، ثم قَفَّي إبراهيم - عليه السلام - منطلقاً إلى أهله، فتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه فقالت: (يا إبراهيم أين تذهب؟! وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟! فقالت له ذلك مراراً، وجعل - عليه السلام - لا يلتفت إليها. فقالت: إلى من تتركنا: قال - عليه السلام -: إلى الله. فقالت له: آالله الذي أمرك بهذا؟! قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيِّعنا، ثم رجعت.
فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت أي: موضع البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
وجعلت هاجر ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، ويدر لبنها على صبيها، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال: يتلبَّط.
¥