لقد أمر - رحمه الله - بتوسعة المسجد الحرام وتوسيع المسعى وبنائه وعمل ما يلزم للتيسير على الساعين؛ فتم شراء جميع المنازل المحيطة بالمسجد الحرام من جهاته الأربع، وكذلك المحيطة بالمسعى وكان الثمن باهظا، ومع ذلك كان يقول للجنة التعويضات: (اظلمونا للناس، ولا تظلموهم لنا).أي: لا تبخسوهم حقهم. وبدأ العمل في المسعى الشريف.
* لقد كان المسعى مكشوفاً مئات السنين، ويتأذى الناس من حرارة الشمس، والغبار، والأتربة والسيول والمياه تحت أقدامهم وضاق المسعى لما يحيط به من مساكن وأبنية، وتقدم أن بعض الناس في أزمنة خلت تعدى على هذا المشعر وغصب جزءاً منه، فكان رفع هذا الظلم والتعدي على يد دولتنا السعودية أعزها الله بالسنة، فبدأ العمل في شهر ربيع الآخر عام خمسة وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة، فهدم ما كان بالمسعى من بيوت ودكاكين، وخُلِّصت أرض المسعى من التعديات عليها، ثم حفرت أساسات الجدار الخارجي للتوسعة التي تضم المسعى، واستمر العمل إلى عام ثمانية وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة، وقد تم فيها - بحمد الله - بناء المسعى بطابقيه؛ وطوله من الداخل ثلاثمائة وأربعة وتسعون متراً ونصف المتر وعرضه عشرون متراً، وارتفاع الطبقة الأولى اثنا عشر متراً، والثانية تسعة أمتار، وأقيم في وسط المسعى حاجز قليل الارتفاع يقسمه قسمين:
أحدهما للذاهب من الصفا إلى المروة والآخر للعائد منها إلى الصفا؛ لئلا يقابل الناس بعضهم بعضاً فيتضررون.
وقد سُرَّ المسلمون بهذا العمل العظيم الذي لم يسبق مثله في التاريخ ألا وهو بناء المسعى وتبليطه وصرف السيول عنه وجعله متعدد الطوابق.
* وتتابع الملوك من آل سعود على العناية بالمسعى الشريف، حتى كانت التوسعة العظمى على يد الملك الراحل فهد - غفر الله له - وتيسر في زمنه للمسلمين الصلاة في سطح المسجد الحرام بعد تهيئته، وكذلك السعي بين الصفا والمروة فصار للمسعى دور ثالث ولله الحمد والمنة.
العَلَمان الأخضران في المسعى
ولعلك تسأل ما شأن العلمين الأخضرين في المسعى ولماذا وضعا في التوسعة السعودية؟
اعلم أن في المسعى ميلين أخضرين وضعا علامة لطلب الهرولة بينهما في السعي ذهاباً وإياباً، أحدهما كان تحت منارة باب علي، وثانيهما كان متصلاً بدار العباس بن عبد المطلب، والميل التي تحت منارة باب علي كان مسامتاً لابتداء السعي الشديد في بطن الوادي؛ كما فعل النبي - عليه السلام - وكان السيل يهدمه فأخروه أي: الميل الأخضر عن مبدأ السعي بستة أذرع؛ فلذلك تسن الهرولة قبل هذا الميل الأخضر بنحو ستة أذرع.
قال في (الروض المربع شرح زاد المستنقع): ثم ينزل من الصفا ماشياً إلى أن يبقى بينه وبين العلم الأول وهو الميل الأخضر في ركن المسجد نحو ستة أذرع، ثم يسعى سعياً شديداً إلى العلم الآخر. اهـ
قال الفاسي في (الزهور المقتطفة) ص81: ومقتضى هذا أن الساعي إذا قصد الصفا من المروة لا يزال يهرول حتى يجاوز هذين العلمين بنحو ستة أذرع؛ لأجل العلة التي شرع لأجلها الإسراع في التوجه إلى المروة. اهـ
* والعلمان الأخضران أعيد وضعهما في مكانهما ضمن توسعة السعودية، وعليهما أنوار خضراء.
* والظاهر أن العلم الأخضر في المسعى وضع في أواخر القرن الأول الهجري فإن الناس في صدر الإسلام كانوا يعرفون موضع هرولة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لما سعى، ومع طول العهد رأوا أن يضعوا علامة للدلالة على ذلك الموضع؛ حتى لا يختلف الناس أو يخفى عليهم الأمر كما في (التاريخ القوي) 5 - 350 - للكردي رحمه الله.
المسعى في عهد الملك عبد الله
وفي حج هذا العام ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين بدأ العمل في مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - أيده الله - للمسعى الشريف وبنائه على طوابق متعددة، بعد هدم وإزالة المبنى القديم للمسعى، وعمل ما يلزم لإراحة الحجاج والمعتمرين، فجزى الله القائمين على هذا العمل خير الجزاء ورفع درجاتهم وكبت أعاديهم.
¥