ب- ومن ذلك أيضا: ما شهد به جملة من أهل العلم فيما يتعلق بالصفا؛ ففي فتاوى ابن إبراهيم 5/ 144 يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (وحيث قد وعدت جلالتكم بالنظر في موضوع الصفا؛ ففي هذا العام بمكة المكرمة بحثنا ذلك، وتقرر لدي ولدى المشايخ: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ علوي عباس المالكي، والأخ الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الله بن جاسر، والشيخ عبد العزيز ابن رشيد: على أن المحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا، ماعدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا فإننا لم نتحقق أنها من الصفا. أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا ... هذا وعند إزالة هذا الحاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور كل من المشايخ: الأخ الشيخ عبد الملك، والشيخ علوي المالكي، والشيخ عبد الله بن جاسر والشيخ عبد الله بن دهيش، حتى يحصل تطبيق ما قرر هنا، وبالله التوفيق). وكان هذا عام 1380هـ.
ج- ومن ذلك أيضا: ما شهد به جملة من أولئك المشايخ؛ ففي فتاوى الشيخ ابن إبراهيم أيضا 5/ 147: (في يوم الثلاثاء الموافق 10/ 2/1378هـ اجتمعت اللجنة المكونة من كل من: الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن جاسر، والشيخ عبد الله بن دهيش، والسيد علوي مالكي، والشيخ محمد الحركان، والشيخ يحيى أمان، بحضور صالح قزاز وعبد الله ابن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن، للنظر في بناء المصعدين المؤديين إلى الصفا ...
وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتة موضع العقود القديمة، فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر مترًا ...
كما وقفت اللجنة أيضًا على المروة، فتبين لها بعد الاطلاع على الخرائط القديمة والحديثة للمسعى، وبعد تطبيق الذرع للمسافة فيما بين الصفا والمروة كما نص على ذلك الإمام الأزرقي والإمام الفاسي في تأريخهما بأن المسافة المذكورة تنتهي عند مراجعة موضع العقد القديم من المروة ... ) إلى آخر ما جاء في هذا القرار.
د- ومن ذلك أيضا شهادة المؤرخ حسين باسلامة الذي قام بذرع المسعى بنفسه كما في: تاريخ عمارة المسجد الحرام 302 - 304، وقد تقدم شيء من كلامه سابقا.
فبعد كل ذلك يقال: إن كان الشهود المعاصرون قد شهدوا برؤيتهم فإن هؤلاء العلماء قد شهدوا برؤيتهم أيضا؛ وإذا كان لا بد من الترجيح بين الشهادتين –نظرا لتعارضهما- فإن مما لا شك فيه أن شهادة أولئك المشايخ مقدمة؛ وذلك لوجوه:
أولا: أن أولئك المشايخ أرفع قدرا وأعلى كعبا في العلم والفهم إلى غير ذلك من خلالهم الكريمة؛ ومن المعلوم عند أهل العلم أن رواية الأوثق وشهادته مقدمة على من دونه.
ثانيا: أن ما قرره أولئك المشايخ ليس شهادة فحسب؛ بل هو شهادة وزيادة؛ إنه قرار مبني على تكليف من ولي الأمر بتحديد مشعر تقام فيه عبادة شرعية؛ فلا ريب أنهم استفرغوا وسعهم في تحقيق ما أنيط بهم على الوجه المرضي؛ فجمعوا بين المعاينة والدراسة والمراجعة والسؤال والاطلاع على الخرائط والصكوك –كما هو مدون في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم- لعلمهم بأن التحديد الذي سيصدرون عنه سيكون له ما وراءه.
وأضيف إلى ما سبق أيضا: ما ذكرته آنفا من أن من يتأمل ما قرره المشايخ –كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم- يلحظ أنه ليس مجرد تحديد ما هو واقع؛ بل كان ثمة رغبة جادة في معرفة جميع ما يمكن دخوله في حدود المسعى وإضافته إلى المشروع توسعةً على المسلمين وتخفيفاً لتزاحمهم.
فهل بعد هذا ثمة مقارنة بين قرارهم وهذه الشهادة الحديثة التي أخبروا فيها بمجرد مشاهدة شاهدوها، وعمر بعضهم في ذلك الوقت لم يتجاوز أربع عشرة سنة!
ويا لله العجب! جبل ممتد لأكثر من خمسين مترا –كما يقول بعض الشهود- تتعلق به عبادة عظيمة، وجبل مثله على الجانب الآخر، ولا يراهما أهل العلم المكلفون بالنظر إليهما وتحديدهما، ويظفر برؤيتهما فلان وفلان ممن دونت شهادتهم!
هل هذا مقبول عقلا؟
لست أتهم الشهود بالكذب، حاشا وكلا، كما أني لست أشك أن الذي رآه هؤلاء ليس هو الصفا والمروة اللذين تعلقت بهما عبادة السعي قطعا؛ لقد رأى الشهود شيئا آخر؛ وسيأتي بيان ذلك بوضوح بعون الله.
¥