تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقال رابعا: يلزم من هذا القول أن كلام العلماء في تحديد المسعى –وقد نقلت طرفا منه- ما هو إلا عبث منهم وتكلف!

ويقال خامسا: إن هذا القول يلزم منه أن المسلمين –علماء وعامة- قد أطبقوا على التضييق على أنفسهم في أمر لهم فيه فسحة؛ فالناظر في كلام العلماء يجد أن الشكوى من الزحام في المسعى قديمة؛ فلماذا إذن رضوا بهذا الزحام وكان يمكنهم أن يسعوا في مساحة لا تُحد عرضا؟

ومن غرائب ما قرأت في هذا الموضوع: أن أحدهم يقول: إنه يمكن أن يسعى الساعي حيث شاء دون تقييد بحدود معينة؛ غير أن المهم هو أن يلصق قدمه بجبلي الصفا والمروة! هكذا قال، ولازم هذا أنه يمكن أن يسعى الساعي مشرقا حيث شاء –لأنه لا تحديد شرعا- ثم يعود إلى الصفا والمروة حتى يلصق قدمه به؛ فهل يقول عالم بذلك؟! وهل فعل هذا أحد من المسلمين قط؟

الاستدلال الرابع: قياس جواز توسعة المسعى على جواز توسعة المطاف.

والمتأمل في هذا القياس أدنى تأمل يدرك أنه قياس مع الفارق؛ فهو فاسد الاعتبار. وبيان ذلك:

أن الطواف مرتبط بالكعبة؛ وعليه فمهما توسع المطاف فيصدق على الطائف أنه طائف بالكعبة؛ أما في السعي فالأمر يختلف؛ إذ إن السعي مرتبط ببينية الصفا والمروة؛ وعليه فمن سعى وراء ذلك لم يكن ساعيا بين الصفا والمروة؛ وهذا خلاف ما أمرنا الله به في قوله: (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، وخلاف فعله عليه الصلاة والسلام حيث طاف بين الصفا والمروة، وخلاف عمل المسلمين في مختلف العصور.

الاستدلال الخامس: الاستدلال بالضرورة، وأن الأمر إذا ضاق اتسع.

من أكثر ما قرأته في هذا الموضوع من الاستدلالات: الاستدلال على جواز توسعة المسعى بالضرورة؛ نظرا للمشقة الحاصلة على المسلمين من ضيق المسعى؛ والقاعدة: أن الأمر إذا ضاق اتسع.

وإذا كان المستدل بهذا الاستدلال من أصحاب مسلك التيسير الذي اتخذوه غاية ومنهجا لا يبالون لأجله بتخطي النصوص وتعدي الحدود؛ فهؤلاء لست معنيا بجوابهم؛ لأن الخلاف معهم أكبر من مسألة توسعة المسعى؛ إنه خلاف يشمل مسائل كثيرة؛ بل هو خلاف في منهج التلقي والاستدلال.

ولست أريد أن أخوض في ضوابط الضرورة ومدى انطباقها على الوضع الحالي –وهو السعي في الطوابق الثلاثة-.

سأتجاوز ذلك وأجيب بأنه على تسليم حصول المشقة العظيمة التي تبلغ بالأمر إلى حد الاضطرار فإنه يقال: من المتقرر عند أهل العلم أن الضرورة تقدر بقدرها؛ وعليه فإن الضرورة قد تبيح توسعة المسعى لو كانت الخيار الوحيد لدفعها؛ أما مع وجود ما يدفعها دون تخطي الحدود الشرعية؛ فإن الاستدلال بالضرورة يصبح حينئذ لا وجه له شرعا.

وإذا نظرنا في هذه المسألة وجدنا أن البديل لدفع الضرورة ممكن؛ وهو التوسع رأسيا بزيادة عدد من الأدوار تندفع بها هذه المشقة -لأن الهواء يحكي القرار- مع بقاء الحدود الشرعية للمسعى كما هي، وهذا ما أرشد إليه كبار العلماء في فتواهم الصادرة بالأغلبية في هذا الموضوع؛ فقد جاء في قرار الهيئة رقم (227) وتاريخ 22/ 2/1427هـ: (وبعد الدراسة والمناقشة والتأمل رأى المجلس بالأكثرية أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسيا بإضافة بناء فوق المسعى).

ومن اللافت للنظر أنه مع كثرة المستدلين بالضرورة على جواز التوسعة لم أجد منهم تعريجا على الخيار الآخر وهو التوسع رأسيا؛ فالملاحظ أنهم قد أهملوا الإشارة إليه فضلا عن الجواب عنه.

وإنني لأطرح عليهم السؤال مرة أخرى: لماذا لا يكون الحل في زيادة الطوابق دون التوسعة؟

ولماذا الحرص على تغيير هذا المشعر الذي حافظ عليه المسلمون بحدوده أكثر من أربعة عشر قرنا مع وجود الحل الآخر؟

وبناء على التقرير السابق؛ فإنه إذا استدل المستدل على جواز توسعة المسعى بقاعدة: إذا ضاق الأمر اتسع؛ فإنه يجاب بتتمة القاعدة: وإذا اتسع –بإمكان التوسعة الرأسية- ضاق!

ثم إنه يلزم المستدل بالضرورة أن يقصر جواز السعي في التوسعة الجديدة على الوقت الذي يشتد فيه الزحام جدا –في أوقات المواسم المعلومة- وأما ما عداها فلا يجوز السعي فيها؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولأنه إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق!

الاستدلال السادس: الاستدلال بقاعدة: الزيادة لها حكم المزيد؛ وبناء عليه فيكون للتوسعة حكم المسعى؛ فيجوز السعي فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير