فهذا شاهد على اهتمام أهل العلم بهذا المشعر العظيم ومنع التغيير فيه حتى ولو كان قدرا يسيرا لا يتجاوز مترا ونصفا، ونحمد الله أن هذا التعدي كان مؤقتا وزال؛ فإن التوسعة السعودية الأولى قد استوعبت المسعى بعرضه المتوائم مع ما ذكره المؤرخون القدماء ولله الحمد.
الخاتمة
هذا ما أردت بيانه في هذه المسألة؛ إبراء للذمة، وصدعا بالحق الذي أدين به، والله يشهد أني بذلت قصارى جهدي في الوصول إليه.
وإنني في ختام هذا البحث لأهيب بأهل العلم وبأصحاب القرار أن يعيدوا النظر في هذه التوسعة.
إن خيرا للأمة أن تبقى على الأمر الواضح المستبين الذي مضى عليه عمل المسلمين وتوارد عليه الناس وتلقاه الخلف عن السلف، بعيدا عن التكلف في الاستدلال واتباع المتشابه من كلام أهل العلم؛ فهذا الذي لا ينازع عاقل في أنه أسلم في الدين وأبرأ للذمة، وبه تحصل الطمأنينة بصحة العبادة.
وإذا كان العقد قد انفرط ولم يمكن التدارك فلا أقل من جعل المسعى القديم بحاله ذهابا وإيابا، فمن طابت نفسه بالسعي في المسعى المحدث فدونه، ومن أراد أن يسعى كما سعى المسلمون قبله فلا يبقى في صدره حرج من صحة عبادته.
وكأني بهذه التوسعة -لو مضت كما هو مرسوم لها- وقد وقف العقلاء إزاءها عاجزين عن حل معضلة كبرى؛ ألا وهي التنازع والتدافع اللذين سيسببهما إصرار كثير من المسلمين على السعي في المسعى القديم ذهابا ومجيئا احتياطا لعبادتهم! وحينها سنقع في شر مما فررنا منه، والأمر لله.
ويحسن أن أحلي ختام البحث بكلمات نيرات للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله تتعلق بهذا الموضوع.
قال رحمه الله: (يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه أولاً، ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك، ولو فُتحت أبواب الاقتراحات في المشاعر لأدى ذلك إلى أن تكون في المستقبل مسرحًا للآراء، وميدانًا للاجتهادات، ونافذة يولج منها لتغيير المشاعر وأحكام الحج، فيحصل بذلك فساد كبير ... ولا ينبغي أن يُلتفت إلى أماني بعض المستصعبين لبعض أعمال الحج واقتراحاتهم، بل ينبغي أن يُعمل حول ذلك البيانات الشرعية بالدلائل القطعية المشتملة على مزيد الحث والترغيب في الطاعة والتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته في المعتقدات والأعمال، وتعظيم شعائر الله ومزيد احترامها) الفتاوى (5/ 146 - 147).
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وحسن الاتباع للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام -ففي ذلك الخير كل الخير- كما أسأله جل وعلا أن يوفق ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا، وأن يزيدهم توفيقا، وأن يمن عليهم بالهداية إلى الحق والعمل به؛ إن ربي قريب مجيب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تمت كتابة مسودة هذا البحث في 2/ 4/1429هـ، ثم راجعته وأضفت إليه وهذبته بعدُ.
[email protected]
ـ[أبو حفصة المراكشي]ــــــــ[28 - 05 - 08, 12:36 ص]ـ
مقال لفضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان
حفظه الله تعالى ورعاه
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
أما بعد:
علماء الأمة تحدثوا عن حكم السعي في المسعى الجديد، والمتتبع لما ينشر على الشبكة العالمية "الإنترنت"، يجد أن هناك أحاديث ومقالات وآراء ودراسات في المسألة وأنّ هناك بعض الأقوال المتعارضة، والذي فهمته أنّ في نية المسؤولين فتح المسعى الجديد الذي هو امتداد للمسعى القديم وجزء منه، وجعله للسعي بين الصفا والمروة، وجعل السعي القديم سعي من المروة للصفا، وبذا يكون المسعى قد تضاعف مرتين.
الناظر -ولا سيما فيمن منّ الله عز وجل عليه بالحج في السنوات الأخيرة- يجد ما للزحام الشديد قبل توسعة مرمى الجمار في منى من أثر بالغ في لحوق المشقة بالحجيج والتي أدّت -في بعض المواسم- إلى موت العشرات منهم، وما ذكرنا في شأن الرمي نراه ينطبق تماماً على مسألة السعي بين الصفا والمروة.
¥