تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول يحيى: "إنه –أي أبا جعفر المنصور- وهذا خبر جاء عرضاً، -والأخبار التي تأتي عرضاً في كتب السيرة والتاريخ لها مصداقية وغالباً لا تقبل التزوير ولا التزييف- يقول يحيى بن عمران: وكانت داره في الصفا –إذ كان الصفا جبلاً وكان فيه دور- يقول: إني لأعلم اليوم الذي وقعت فيه –أي الدار- في نفس أبي جعفر إنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجةٍ حجّها ونحن على ظهر الدار في فسطاس فيَمُر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوة لو كانت عليه لأخذتها –يعني أن الدار بجانب المسعى- ولو أردت أن أمسك رأسه لفعلت، -وهذا دلالة على أن المسعى كان فيه حارات وشوارع، والمسعى جبل واسع- وإنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا .. " إلخ كلامه.

فمن تلك الفترة وقعت الدار في نفس أبي جعفر المنصور فاشتراها.

يقول ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (إن الصفا والمروة) [البقرة: 158] إن الصفا حجر أملس، وإن المروة جمع مروة والمروة الحجر الصغير يقول في (الجزء الثاني ص709 – ط هجر) وإنما عنى الله تعالى ذكره (الصفا والمروة) [البقرة: 158] في هذا الموضع الجبلين المسمين الذين في حرمه دون سائر الصفا والمروة، فالأحكام إذاً معلقة بالجبل، والجبل غالباً تكون مساحته واسعة قال ولذلك دخل فيهما الألف واللام ليعلم عباده أنه عني بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين دون سائر الأصفاء والمرو، والشاهد أن الشرع علق السعي بالجبلين فمتى وقع السعي بين مسمى الجبلين أجزأ، ومنهم من اشترط أن تكون الطريق في السعي طريقاً معهودة موصولة يكون فيها الحجيج.

والخلاصة أنّ الكلام على المسعى طويل وكثير، وقد قمت بدراسةٍ وحققت فيها رسالة الشيخ المعلمي اليماني –رحمه الله- وعلقت عليها كثيراً، وقد مدّ القلم وأرخيت له العنان، وذكرت ما يمكن أن يرجِّح القول بالجواز متابعاً إياه في ذلك، وأشرت إلى المخالفين، وتبقى المسألة فيها خلاف، والقضاء على البلبلة لا يمكن أن يقع إلا من خلال كلمة تصدر من هيئة معتبرة عند أهل العلم تجتمع فيها الآراء وتقطع فيها جهيزة كل خطيب، لأن هذه المسألة خطيرة ومهمة ولها أثر على ركن من أركان الإسلام وهو الحج، وأسأل الله عز وجل أن يوفق علماء المسلمين لأن تجتمع كلمتهم في هذا الباب وغيره، وسأعمل قريباً إن شاء الله على نشر رسالة المعلمي اليماني -رحمه الله- بضميمة تعليقاتي عليها، أسأل الله عز وجل أن يجعل فيها غنية أو بلاغاً من عيش، والله تعالى أعلم وأحكم.

والخلاصة أنه لا حرج في السعي في المسعى الجديد، وأن المسعى الجديد هو في زيادة يشملها المسعى لأن النبي سعى في مكان واحد وهذا المكان لا نعرفه، وهاجر –كما قال ابن عباس في البخاري- سعت في مكان معين فلو كان لا يجزئ هذا السعي إلا فيه، لحجرنا واسعاً، وضيقنا على الناس بما لا طائل تحته، ولا فائدة منه، إذ لا أثر ولا مستند عليه وله.

والعبرة أن يكون السعي بين الصفا والمروة، وقضت سنة سبحانه أن لا يحدد الرواة مكان سير رسول الله، ولا مكان سير هاجر، وألهم نبيّه محمداً أن يسعى ماشياً أحياناً وراكباً أحياناً، ليعلم أمته أن العبرة ليست في تتبع آثار الأقدام، ولا في الخط الذي سارت فيه، بل في سعيه راكباً دليل على عدم اشتراط مس الأقدام للمسعى، وأنه لو وضع عليه ردم فانتفخ، أو قطع الجبل، وأزيل ارتفاعه، وسعي في أصل أرضه لجاز، بل في سعيه راكبا إشارة –والله أعلم- إلى جواز السعي في الأدوار العلوية، فتأمل!

ويستفاد من ذلك أيضاً صحة السعي مع تغير تضاريس الجبلين الصفا والمروة وبوجود الردم والهدم مع مرور الزمن كما حصل في التوسعة السعودية قبل الأخيرة التي وقعت سنة 1375هـ بدأوا يحفرون وينزلون في أرض المسعى حتى وجدوا الأدراج، والذي يقرأ كتب الفقهاء في الحج يجد أنه يجب عليه أن يصعد على الدرج والآن ليس هناك درج، وقبل فترة قصيرة كانت هناك أدراج والأدراج الأولى دفنت ثم بنوا أدراجاً جديدة، ويقول صاحب "التاريخ القويم" -الكردي-: "المسافة التي كانت بين الأدراج التي رأيناها بعد الحفر قرابة المترين" والجبل قمة وقاعدة الجبل أوسع من رأس الجبل، فإذا سعينا على رأس الجبل نسعى في مكان ضيق، فإذا قطعنا رأسه وسعينا في قاعدته اتسع المكان ثم السعي.

فالعبرة بالسعي أن يكون بين جبل الصفا وجبل المروة ويبعد واقعاً وعقلاً أن يكون الجبل ممتداً فقط عشرين متراً، واليوم عرض المسعى بالضبط عشرون متراً، ولو كان كذلك، فيبعد أن يكون الجبلان (الصفا) و (المروة) يقابل بعضهما بعضاً بمسافة واحدة، لا يخرج هذا عن حدِّ هذا في العرض، ولو كانا كذلك لما ترك العلماء التنصيص على ذلك، وقد ذكر غير واحد أن المروة بإزاء الصفا بمعنى أن عرض كل منهما ليس بمتساوٍ تماماً، وهذا يدل دلالة واضحةً أن حال المسعى اليوم من حيث العرض من جراء الحفريات، فاقتطع من الجبلين مسافة تسامت الأخرى، وأن عرض كل منهما ممتد، على ما شهد به مجموعة من الثقات، ممن شاهد، وبعضهم –كأصحاب كتب الرحلات إلى الديار المقدسة- أقر ذلك، وهم جماعة كبيرة تباينت أمصارهم، وتغايرت أعصارهم، ويستحيل تواطؤهم على الكذب، والموقع الذي فيه المسعى الجديد من ضمن المسافة الممتدة من جهة الشرق، يظهر هذا جليّاً لكل من تابع الشهادات والمشاهدات، سواء المرقومة منها أو المسموعة، والحمد لله رب العالمين.


(1) وقد نصوا أيضاً على وجوب الصعود على الدرج في حين أن الآن ليس هناك درج وقبل فترة قصيرة كانت هناك أدراج، والأدراج الأولى قد دفنت ثم بنوا أدراجاً جديدة وقد وجدت الأدراج عند بدء الحفر في التوسعة السعودية قبل الأخيرة والتي كانت في عام 1375هـ، وأفاد الكردي في كتابه: "التاريخ القويم": "المسافة التي كانت بين الأدراج التي رأيناها بعد الحفر قرابة المترين"، يريد أن المسعى ارتفع بأسباب الردم الذي تعاقب عليه، ومن المعلوم أن قاعدة الجبل أعرض من رأسه. (رجوع)
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير