تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو الوليد: فلما حج المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة، ورأى الكعبة في شق من المسجد الحرام، كره ذلك، وأحب أن تكون متوسطة في المسجد، فدعا المهندسين، فشاورهم في ذلك، فقدروا ذلك، فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل، وقالوا: إن وادي مكة له أسيال عارمة، وهو واد حَدور، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد، مع أن وراءه من الدور والمساكن ما تكثر فيه المؤونة، ولعله أن لا يتم، فقال المهدي: لا بد لي من أن أوسعه، حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال، ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال. وعظمت في ذلك نيته، واشتدت رغبته، ولهج بعمله، فكان من أكبر همه. فقدروا ذلك، وهو حاضر، ونصبت الرماح على الدور، من أول موضع الوادي إلى آخره، ثم ذرعوه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك، وما يكون للوادي فيه منه، فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي، وعلم ما يدخل في المسجد من ذلك، وزنوه مرة بعد مرة، وقدروا ذلك. ثم خرج المهدي إلى العراق وخلف الأموال، فاشتروا من الناس دورهم، فكان ثمن كل ما دخل في المسجد من ذلك كل ذراع مكسر بخمسة وعشرين ديناراً، وكان ثمن كل ما دخل في الوادي خمسة عشر ديناراً ... فابتدأوا عمل ذلك في سنة سبع وستين ومائة، واشتروا الدور وهدموها، فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائذي، وجعلوا المسعى والوادي فيها، فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، ثم حرفوا الوادي في موضع الدور حتى لقوا به الوادي القديم، بباب أجياد الكبير بفم الحزامية ". وقال الأزرقي (2/ 256): " ومن حق آل عائذ: دار عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عائذ في أصل جبل أبي قبيس، من دار القاضي محمد بن عبدالرحمن السفياني إلى دار ابن صيفي التي صارت ليحي بن خالد بن برمك، إلى منارة المسجد الحرام الشارعة على المسعى. وكان بابها عند المنارة، ومن عند بابها كان يسعى من أقبل من الصفا يريد المروة، فلما أن وسع المهدي المسجد الحرام في سنة سبع وستين ومائة، وأدخل الوادي في المسجد الحرام، أدخلت دار عباد بن جعفر هذه في الوادي، اشتريت منهم، وصيرت بطن الوادي اليوم، إلا ما لصق منها بالجبل جبل أبي قبيس ".

ونستخلص من النقول السابقة النتائج التالية:

1 - لم يكن المسعى قبل توسعة المهدي الثانية للمسجد الحرام شاملاً جميع المساحة بين الصفا والمروة عرضاً، إذ كانت البيوت تغطي جزءاً من الجزء الشرقي حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

2 - كانت توسعة المهدي الثانية للمسجد الحرام على حساب مساحة كبيرة من الأرض الصالحة للسعي، بل قد يفهم من كلام الأزرقي أن كامل أرض المسعى التي كان يسعى فيها-بين العلمين- قد دخلت في المسجد الحرام. تأمل قوله: " وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم، عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي، فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم". والذي يفهم من هذا: أن جدار المسجد امتد إلى باب دار محمد بن عباد، ولا يمكن أن تكون التوسعة في هذا الجزء من المسعى فحسب، لأن ذلك يقتضي اعتراض جزء من المسجد للساعين، واضطرارهم إلى الالتفاف حوله. ومما يؤكد أن التوسعة وقعت على امتداد المسعى قول الأزرقي (2/ 71) عند حديثه عن زيادة المهدي الأولى:" ودخلت أيضاً دار خيرة بنت سباع الخزاعية، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها، وكانت شارعة على المسعى يومئذ، قبل أن يؤخر المسعى". وهذه الدار مما يلي المسجد الحرام من جهة المروة. قال الأزرقي (2/ 239): دار الأزرق دخلت في المسجد الحرام، كانت إلى جنب المسجد، جدرها وجدر المسجد واحد، وكان وجهها شارعاً على باب بني شيبة ... وكانت على يسار من دخل المسجد بجنب دار خيرة بنت سباع الخزاعية، دار خيرة في ظهرها " فهذه الدار كانت شارعة على المسعى قبل أن يؤخر المسعى. ولا نستطيع الجزم بمقدار التأخير، ومدى تفاوته من مكان لآخر.

3 - لم ينقل عن أحد من العلماء- فيما اطلعت عليه- الإنكار على المهدي، أو المطالبة بإعادة المسعى على ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إجماع منهم على صحة السعي إذا وقع بين الجبلين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير