قال السمعاني (ت 562هـ): " أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي صاحب كتاب أخبار مكة، وقد أحسن في تصنيف ذلك الكتاب غاية الإحسان، روى عن جده ومحمد بن يحيي بن أبي عمر العدني وغيرهما، و روى عنه أبو محمد إسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعى".
والخزاعي هذا متقن ثقة حجة رفيع الذكر توفي سنة 308هـ بمكة، أحد فصحاء مكة.
وعندما يروي الخزاعي عن الأزرقي فإن ذلك يكون بمثابة توثيقه وتعديله؛ فالثقة حين يروي عن أحد يكون ذلك بمثابة توثيقه له، عند جمع من المحدثين، وإليه ميل البخاري ومسلم وغيرهما، وكذلك هو الصحيح عند الأصوليين كالآمدي وابن الحاجب وغيرهما.
والأزرقي روى عن ثقات وروى عنه ثقة، قال ابن عبد البر (ت 463هـ): " كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله، أو في كثرة غلطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العلم من خلف عدوله ".
ولم يرد – حسب ما وقفت عليه - عن أحد ممن يحتج بهم في الجرح والتعديل أنه ضعف أبا الوليد الأزرقي.
ولعظم مكانة كتاب الأزرقي عكف عليه علماء كثيرون بالتعليق والشرح والاختصار،، وعولوا عليه في العديد من الأحكام الشرعية المتعلقة بمناسك الحج والعمرة، ومنها مكان السعي، وجعلوه الحجة والعمدة في شأن بيان حدود المسعى، وهذا أمر معروف لدى الفقهاء والمحدثين والمؤرخين، والشواهد على ذلك أكثر من أن يحيط بها هذا المبحث، وحسبنا منها ما يأتي:
1 - استشهد النووي (ت 676 هـ) بتقريرات الأزرقي في ذرع البيت، بعد أن وصفه بأنه إمام بقوله: " وقد وصفه الإمام أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة فأحسن وأجاد .. ". ونقل في كتابه تهذيب الأسماء واللغات كلام الأزرقي كاملا في ذرع المسجد والمسعى، وقال في نهايته: " هذا كلام الأزرقي ". مع أن عادته فيه الاختصار، لكنه عند الحديث عن المسجد الحرام أورد كلام الأزرقي في نحو أربع صفحات، مما يدل على اعتماده الكامل عليه في هذا الباب.
2 - اعتمد المحب الطبري على تخريجات الأزرقي ورواياته، فكثيرا ما يقول بعد سرد شيء من أخبار البلد الحرام: أخرجه الأزرقي، أو هذا ما نقله أبوالوليد الأزرقي في كتابه المشهور.
3 - قال التقي الفاسي (ت 832 هـ): " وقد رأيت أن أذكر إسنادي في تاريخ الأزرقي لكثرة المنقول منه في هذا الكتاب، وإذا كان متصلا بالإسناد فهو مما يستجاد".
وذكر الفاسي أيضاً أنه عول كثيراً على ما ذكره وحدده الأزرقي وجمعه، وأنه صاحب قصب السبق في أخبار مكة.
3 - صرح ابن حجر الهيتمي (ت973هـ) أن الأزرقي إمام شأن ذرع المسعى، وقال في حقه: " تقرر أنه العمدة في هذا الشأن كله في درج الصفا والمروة .. ".
وقال أيضا: " وإن كلام الأزرقي صريح فيه، وإنه أعني الأزرقي أولى بالاعتماد من غيره .. ".
وفوق ذلك كله نقل عن الأزرقي جمع غفير من أئمة العلم والتاريخ كابن جرير وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم مما يدل على رسوخ قدمه وتوثيق العلماء له في أخبار مكة ووصف معالم البيت العتيق والمسعى.
2 - الفاكهي وروايته:
قال التقي الفاسي: " وللإمام الأزرقي والفاكهي فضل السبق والتحرير والتحصيل، فإن ما ذكراه هو الأصل الذي انبنى عليه هذا الكتاب وفي كتاب الفاكهي وهو محمد بن إسحاق بن العباس المكي أمور كثيرة مفيدة جداً ليست من معنى تأليف الأزرقي ولا من المعنى الذي ألفناه،وكان في المائة الثالثة، والفاكهي تأخر عن الأزرقي قليلا في غالب الظن، ومن عصرهما إلى تاريخه خمسمائة سنة ونحو أربعين سنة وأزيد لم يصنف بعدهما في المعنى الذي صنفا فيه أحد .. ".
ولقد أكثر الفاسي النقل عن الفاكهي والاعتماد عليه في كتابيه العقد الثمين وشفاء الغرام، وكلاهما مخصص لتاريخ مكة وما يتعلق بها من تراجم وأخبار.
وقال التقي الفاسي أيضاً عنه: " وكتابه في أخبار مكة كتاب حسن جدا لكثرة ما فيه من الفوائد النفيسة، وفيه غنية عن كتاب الأزرقي، وكتاب الأزرقي لا يغني عنه؛ لأنه ذكر فيه أشياء حسنة مفيدة جدا لم يذكرها الأزرقي. وأفاد في المعنى الذي ذكره الأزرقي أشياء كثيرة لم يفدها الأزرقي، وإني لأعجب من إهمال الفضلاء لترجمته، فإن كتابه يدل على أنه من أهل الفضل، فاستحق الذكر، وأن يوصف بما يليق به من الفضل والعدالة أو الجرح وحاشاه من ذلك، وشابهه في إهمال الترجمة الأزرقي صاحب أخبار مكة الآتي ذكره. وهذا عجب أيضا، فإنه بمثابة الفاكهي في الفضل، وما هما فيما أحسب بدون الجندي صاحب فضائل مكة. فإن له ترجمة في كتب العلماء والله أعلم بتحقيقة ذلك".
3 - رواية الحربي:
لم تشتهر رواية الحربي بين المحررين والمحققين في تاريخ مكة والمناسك فيما يتصل بعرض المسعى، إلا أن هذا لا يدل بحال من الأحوال على عدم قبول روايته في ذلك أو ردها، فالحربي صدوق ثقة، وهو من أئمة العلم والفقه، ومن الحفاظ للحديث المميزين لعلله، ورث أموالا كثيرة أنفقها في طلب الحديث، ومن زهده أنه ما احتفل في ملبسه ولا في مأكله يوما قط ولا شكا مرضا بجسده إلى أحد من أهله. حتى قيل إنه يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وورعه وعلمه.
يتبع إن شاء الله
¥