تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

للظالم في وجهه: إن عرض المسعى كان خمسة وثلاثين ذراعا وأحضروا النقل من تاريخ الفاكهي، وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذي وضع فيه الظالم المذكور بنيانه فكان سبعة وعشرين ذراعاً، ومع ذلك لم ينتهه، فكتب من بمكة من العلماء خطوطهم بمنعه، ووجهوها إلى السلطان قايتباي وكان للجراكسة تعصب فيمن يلوذ بهم، ولو كان على باطل، فلما وصل ذلك انتصر لخادمه فكتب له يمضي على عمله فبناه رباطا وبنى من جانبه دارا وحفر الميضأة وجعل في جانبها مطبخا فيه ما يفرق على الفقراء ووقف على ذلك مدة إلى أن انقطع حتى بيعت الدور والديار وقايتباي وخادمه من أحسن الجراكسة عقلا ودينا، ومع ذلك صدر منهم هذا الفعل الذي قام الإجماع بتحريمه".

1 - قال الجزيري (سنة 960 هـ): وفي يوم الاثنين خامس عشر القعدة أجهز النداء بمكة لجميع أصحاب الدكاكين بالمسعى أن لا يبسطوا أسبابهم إلا في نفس الدكاكين في الجدر، ولا يخرج قدّام دكانه شيئًا ولا يضع دكة خشب ولا غيره ... وفي ثاني المناداة ركب قاضي مكة ونائب جدة وأزالوا جميع الدكك التي بالمسعى ليتسع المسعى، وقد كان قديماً واسعاً ثم ضيق بالأبنية لتسامح الناس للكرا من هذا المشعر تعديا وظلما، فقد ذكر في التاريخ أن عرض المسعى كان ستة وثلاثين ذراعا، وقد ضاق في زماننا خصوصا وقد وضع فيه الدكك فيحصل أيام الحج". وهذا الكلام صريح في أن عرض المسعى كان معروفا، فتحمل التوسعة على إعادة الأرض المأخوذة من المسعى إليه ..

2 - وقال الجزيري أيضا في معرض حديثه عن ما حصل من العمائر على يد الأمير خوشكلدي أمين جدة وأمير اللواء الشريف السلطاني: " ومن متجدادته توسعة بها من مقاعد الباعة والمساطين وإزالة ذلك بالكلية جزاه الله خيراً".

أي عودة حدود المسعى من جهة العرض إلى أصلها، فلا يقال توسعة زائدة عن الأصل، بدليل قوله: إزالة ذلك بالكلية أي إزالة السوق ونحوه عن طريق الساعين.

3 - قال القطبي الحنفي (ت1014هـ):" وهنا إشكال ما رأيت من تعرض له وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية التي أوجبها الله علينا في ذلك المحل الذي سعى رسول الله صلي الله عليه وسلم فيه، وعلى ما ذكره هؤلاء الثقات أدخل ذلك المسعى في الحرم الشريف وحول المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم. وأما المكان الذي يسعى فيه الآن فلا يتحقق أنه من المسعى الذي سعى فيه النبي صلي الله عليه وسلم أو غيره فكيف يصح السعي فيه وقد حول عن محله كما ذكر هؤلاء الثقات.

ولعل الجواب عن ذلك أن المسعى في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم كان عريضا ً وبنيت تلك الدور بعد ذلك بعرض المسعى القديم فهدمها المهدي وأدخل بعضها في المسجد الحرام وترك بعضها للسعي ولم يحول ذلك تحويلا كليا وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم مع توفرهم إذ ذاك فكان الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما والإمام مالك بن أنس ـ رضي الله عنه ـ موجودين يومئذ وقد أقروا ذلك وسكتوا وكذلك صار بعد ذلك الوقت من في مرتبة الاجتهاد كالإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وبقية المجتهدين رضوان الله عليهم أجمعين فكان إجماعا منهم رضي الله عنهم على صحة السعي من غير نكير نقل عنهم. وبقي الإشكال في جواز إدخال شيء من المسعى في المسجد الحرام وكيف يصير ذلك مسجداً ويصح الاعتكاف فيه؟ وحله بأن يجعل حكم السعي حكم الطريق فيصير مسجداً ويصح الاعتكاف فيه حيث لم يضر بمن يسعى فاعلم ذلك. وهذا مما تفردت ببيانه ولله الحمد على التوفيق لبيانه". فإذا كان الحرج متحققاً في القرون الأولي من جهة التحقق وعدمه من المكان الذي سعى فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم واجتهد الفقهاء في تحرير الكلام عن تحويل بعض أماكن المسعى حتى قرروا الجواز، فكيف يسوغ السعي في أماكن أخرى لا تعهد من أرض المسعى ولا يقوم دليل على أنها منه، وإباحة ذلك اعتمادا على الرأي في حكم تعبدي غير معلل و لا يسوغ فيه القول بالرأي .. بل لو كانت التوسعة في عرض المسعى سائغة لذكر القطبي شيئا منها وأعمل اجتهاده في حكمها، لاسيما أنه صرح باجتهاده فيما يتصل به، ونبه على انفراده به مع أن تحرير الكلام عن حكم السعي خارج مكانه المعهود مستوجب الوقوف عليه ولم يحتج القطبي إلى التفريع فيه والتفصيل، فدل ذلك على أخذه بالقول المانع من السعي خارج محله، هذا إلى جانب تقريره أن السعي من الأمور التعبدية، وأن له مكاناً مخصوصاً.

4 - في تاريخ الغازي عند الكلام علي ترجمة المشير الحاج محمد حسين باشا الذي تولي مكة من قبل الدولة العثمانية سنة 1264هـ بعد ذكر ما عمله المذكور من العمران وغيره:" ولقد أراد المذكور أن يوسع المسعى ويهدمها ليتسع على الحجاج حال السعي ويأخذ من الدور الداخلة في مشعر المسعى، ويكمل طريقا في الذهاب للسعي وآخر للإياب، ونصب حبلا كان مراده أن يجعل عوضه داربزانا من الحديد أو غيره .. وهدم بعض الدور الداخلة بالمشعر فكتب فيه بعض أهالي مكة المشرفة ونقموا عليه، وتوجه بالكتب إلى الدولة العلية السيد عبدالله بن عقيل، توجه خفية على ناقة إلى التنعيم، ثم أخذ برا من طريق الحديبية وتوجه إلى الأستانة، وشكى فأمرت الدولة العلية بعزله سنة 1266هـ (ست وستين ومائتي وألف فتوجه إلى الأستانة".

و مما يدل على دقة ذرع الأزرقي ومن وافقه تواطؤ الفقهاء على موافقته و متابعة المؤرخين ذرع الأزرقي، فالفاسي يعتمد على الأزرقي ثم يقوم بتحرير القياس بنفسه، ومع ذلك يستشهد بكلام الأزرقي ويقول: هكذا قال الأزرقي، أو الفاكهي، أي أنه يأخذ بذرعهما ولو ذرع بنفسه وذلك لأنه يعتبرهما الحجة في هذا الشأن، كما أن الفاسي من عادته في كتابيه العقد الثمين وشفاء الغرام إذا وجد اختلافاً في الذرع من حيث النقصان أو الزيادة نبه عليه ولو طرأ ذلك بعد الأزرقي والفاكهي ولم يعهداه.

وبعد هذا كله، يبقي الإشكال القائم هو ما مدى صحة الاحتجاج بسعة إمتداد الصفا والمروة على جواز توسعة عرض المسعى باعتبار أن - الصفا والمروة ـ أساس التحديد؟ وهل هذا الاحتجاج له وجه شرعي صحيح؟ لذلك احتيج إلى المبحث الآتي:

يتبع إن شاء الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير