و عُمدة ؤلاء ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه و سلّم، فقالت: يا رسول الله إنّي أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم و هو حليفه. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلّم: (أرضعيه) فقالت: و كيف أرضعه و هو رجل كبير؟ فتبسّم رسول الله صلى الله عليه و سلّم و قال: (قد علِمتُ أنّه رجل كبير).
و في رواية عند مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن سالماً مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة و أهله في بيته، فأتت ابنة سهيل النبي صلى الله عليه و سلّم فقالت: إنّ سالماً قد بلغ ما بلغ الرجال، و عَقَل ما عقلوا، و إنّّه يدخل علينا، و إني أظنّ أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال لها النبي صلى الله عليه و سلّم: (أرضعيه تحرمي عليه، و يذهب الذي في نفس أبي حذيفة) فرجَعَت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
قلتُ: و هذا الحديث ظاهر في الدلالة على مذهب الظاهريّة في عدم التفريق بين الصغير و الكبير في التحريم بالرضاعة، و لكنّه مُعارض بما تقدّم من أدلّة مذهب الجمهور، و إذا كان القول به وجيهاً لذهاب أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها إليه، و لعملها به حيث كانت (كما في سنن أبي داود بإسناد صحيح) تأمر بنات أخواتها و بنات إخوتها أن يُرضِعنَ من أحبت عائشة أن يراها، أو يدخل عليها و إن كان كبيراً خمس رضعات ثمّ يدخل عليها، فإنّ هذا مخالف لما ذهَبت إليه بقيّة أمّهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهنّ أجمعين، حيث لم يكنّ يُدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً حتى يرضع في المهد، و قُلن لعائشة: (و الله لا ندري لعلّها كانت رخصة من النبيّ صلى الله عليه و سلّم لسالم خاصّة، فما هو بداخل علينا أحدٌ بهذه الرضاعة، و لا رائينا) كما أخبرت بذلك أم سلمة فيما رواه عنها مسلم و غيره.
و الظاهر أنّ لتخصيص الرخصة بسالم رضي الله عنه من دون الناس وجه من حيث اختيار معظم أمهات المؤمنين له، و ذهاب معظم الصحابة و جمهور العلماء إلى القول به، و هو المفهوم من ظاهر النصوص المعارضة لحديث سهلة بنت سهيل، و لو كان الأمر على إطلاقه لشاع بين الصحابة الكرام فمن بعدهم من السلف، و تعدّدت طرقه، و رويت أخباره.
و لذلك فالراجح في المسألة هو قول الجمهور باشتراط كون الرضاع قبل الفطام لتحليل الخلوة و تحريم النكاح، و الله أعلم.
و قد ذهب بعض أهل العلم إلى الجمع بين القولين السابقين بالترخيص في إرضاع الكبير و ترتيب أحكام الرضاعة عليه في التحليل و التحريم عند وجود المشقة في الاحتجاب عنه، و عدم الاستغناء عن دخوله على النساء، كما في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما، و هذا القول منسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، و هو بعيد لأنّ المشقّة غير منضبطة، أما لو كانت ضرورة، فللضرورة شأنٌ آخَر، و الضرورات تقدّر بقَدَرِها.
تنبيه: أشكل على البعض رضاع الكبير من المرأة، مع ما يُشعِر به ذلك من تلامس بشرتيهما رُغم عدم وقوع التحريم قبل تمام الرضاع خمساً، و من أحسن ما قيل في توجيه ذلك قول الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم (10/ 31): (قال القاضي: لعلّها حَلَبَته ثم شرِبَه، دون أن يمسَّ ثديَها، و لا التَقَت بشرتاهُما، و هذا الذي قاله القاضي حَسَنٌ، و يُحتَمل أنّه عُفيَ عن مسّه للحاجة، كما خُصَّ بالرضاعة مع الكِبَر، و الله أعلم).
و لا يفوتني التنبيه أيضاً عند الحديث عن رضاع الكبير على ضرورة ذِكر الحكم الراجح في المسألة، و عدَم التوسّع إلا عن عِلمٍ و إحاطةٍ بجميع ما روي في هذا الباب و أقوال العلماء فيه، و توجيههم للنصوص، و توفيقهم بينها لسدّ أبواب تطاول الرافضة على أمّ المؤمنين الطاهرة الصدّيقة بنت الصدّيق، و تنقّصهم لها.
روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: (لا رضاع إلا ما شدّ العظم، و أنبت اللحم) فقال أبو موسى: لا تسألونا و هذا الخبر فيكم.
قلت: و هذا حَسنٌ في حسم مادّة الجدل، و قطع دابر الأقاويل في هذه المسألة، و الله أعلم.
هذا و الله المستعان، و بالله التوفيق.
وهذه صفحته / http://www.saaid.net/Doat/Najeeb/index1.htm
ـ[إسلام بن منصور]ــــــــ[31 - 12 - 03, 01:00 ص]ـ
هذا بحثي في مسألة إرضاع الكبير وانتظر رأيكم
ـ[ esen71] ــــــــ[05 - 04 - 04, 08:51 م]ـ
أخي الكريم إسلام بن منصور
بارك الله فيك. حاولت قرائة بحثك ولاكن أري بعد صفحة الخامسة رموز مثل 8 ? ? ? ? أظن أن font متغاير