تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[باب في ذم المختصرات!]

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[16 - 06 - 07, 12:36 ص]ـ

الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد أما بعد:

فلا يخفى عليكم ولع المتاخرين بالمختصرات في كل الفنوان وفي ذلك مصالح ومفاسد، وكنت من مدة أريد أن أكتب موضوعا عن المختصرات، لكني ما استطعت أن استجمع الفكر وأجد من الفراغ ما يكفي، وكان وقع تحت يدي نقولا في ذمها وبيان عيبها، فالظاهر أن غاية ما سيكون هو نقل بعض هذه النقول!

والغرض أن تخفف هذه العبارات من غلو بعضنا فيها، وتلفت انتباههم إلى كتب الأئمة المتوسطة والموسعة.

وسأبدأ بكلام لطيف طريف للشيخ علي الطنطاوي

قال ـ رحمه الله ـ في ذكرياته 2/ 43

في كلامه على (رسائل سيف الإسلام):

وأثرتُ بعض المشايخ لما نقدتُ طريقتهم في الدعوة إليه، وفي تلقين المتعلمين أحكام شريعته، وكانت (في الحق) أسوأ الطرق في التدريس في كتب ألفت على أسوأ الأساليب في التأليف: (متن) موجز إيجازًا مخلاً، كأن مؤلفه بخيل كُلِّف بأن يرسله في (برقية) إلى أوستراليا، يغرم أجرتها من ماله، فهو يقتصد في الكلمات لتقل عليه النفقات، وانظروا (جمع الجوامع) و (التحرر) في الأصول مثالا على هذه المتون، وقابلوا أسلوبه بأسلوب الغزالي في (المستصفى).

كانت أكثر الكتب التي يعكفون عليها بعيدة عن البيان بعد الأرض عن السماء، معقدة العبارة أعجمية السبك، وإن كانت عربية الكلمات، فيأتي من يوضح غامض المتن فيدخل جملة من عنده بين كل جملتين منه كما يرقعون اليوم الجلد المحروق من الإنسان بقطعة من جلده السليم فينجح الرتق أو يظهر الفتق وهذا هو (الشرح).

ويأتي من يضع لهذا الشرح حواشي وذيولا يطوله فيها فيجمله أو يقبحه ويعطله وهذه هي (الحاشية)، ويبدو ضعف الإنشاء في القرون المتأخرة حتى في مثل حاشية ابن عابدين التي هي اليوم عمدة المفتين على المذهب الحنفي ثم يجيء من يعلق على هذه الحاشية تعليقات وتسمى (التقريرات) فلا الأسلوب عربي فصيح ولا المنهج قويم صحيح.

وانظروا (المبسوط) مثلا للسرخسي أو (البدائع) للكاساني ثم انظروا الحاشية أو انظروا في مذهب الشافعية (الأم) ثم (مغني المحتاج) إن ما بينهما كالذي بين (أسرار البلاغة) و (شروح التلخيص) في كتب الأولين، البلاغة والبيان والأسلوب العربي النير، وفي حواشي الآخرين .. فيها ما تعرفون!

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[16 - 06 - 07, 12:38 ص]ـ

وقال في ذكرياته ـ رحمه الله ـ 4/ 279:

كنت قبل أن ألي القضاء، وبعد أن أنهيت عهد الطلب وأيام الدراسة، كنت عاكفا على كتب الأدب والتاريخ , قلما أنظر في كتاب فقه أو أصول إلا إن احتجت إلى مراجعة مسألة أو تحقيقها.

ولكني كنت على ذلك أقرأ في اليوم عشرين أو ثلاثين صفحة من مثل كتاب "الخراج" لأبي يوسف، أو كتاب "الأم" للشافعي، أو "المبسوط" للسرخسي، لا لاستيعاب ما فيه، ولكن إعجابًا بأسلوبه واستئناسا ببلاغة عبارته، وسلامة لغته، كذلك كانت كتبنا الأولى، ثم فسد الأسلوب وغلبت عليه العجمة، وبعد عن السليقة العربية ...

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[16 - 06 - 07, 12:39 ص]ـ

وقال في ذكرياته ـ رحمه الله ـ 7/ 66:

... ولقد ظهر في هذه القرون الثلاثة علماء لا يحصيهم العد، ألفوا مؤلفات لا يحيط بها الحصر، ولم يكن في هؤلاء جميعا ـ على أغلب الظن ـ من هو أوثق في الفقه، وأنفذ فيه فكرا، من ابن عابدين، الذي كتب الله لمؤلفاته أن تكون أكثر الكتب ذيوعا، وأعمها نفعا، وأن تكون حاشيته المشهورة عمدة المفتين في المذهب الحنفي من أكثر من مئة سنة، لا يضارعها في تحقيق مسائلها، وفي إقبال الناس عليها، كتاب من كتب الفقهاء المتأخرين في المذهب الحنفي، على بعض العجمة في أسلوبها، وبعده عن الأسلوب العربي النيَّر الذي تجدون مثاله في كتاب " المبسوط" للسرخسي الحنفي، أو في كتاب "الأم" للإمام الشافعي.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[16 - 06 - 07, 12:39 ص]ـ

وقال ابن خلدون في المقدمة ص457:

ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها ويدونون منها برنامجا مختصرا في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن.

فصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسيراً على الفهم.

وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولة في الفنون للتفسير والبيان، فاختصروها تقريباً للحفظ، كما فعله ابن الحاجب في الفقه وأصول الفقه، وابن مالك في العربية، والخونجي في المنطق وأمثالهم.

وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم كما سيأتي.

ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها.

لأن ألفاظ المختصرات نجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت.

ثم بعد ذلك كله فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة؛ فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة لكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة.

وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة؛ فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم صعباً يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها. «ومن يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له». والله سبحانه وتعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير