ب - وأما تضعيفه الحديث بإسماعيل عند البخاري فهو من جهالاته التي لا تنتهي فقد تابعه عبدالله بن مسلمة عند البخاري ويحيى بن يحيى عند مسلم وغيرهم من الرواة , وكذلك تضعيفه الحديث بسهيل بن أبي صالح من العجب مع أنه لو فرضنا خطأه فقد تابعه عدة من الرواة.
ت - قوله إن ثلث الليل الآخر أو الأول يتكرر كل لحظة على مدار اليوم والليلة فمتى ينزل سبحانه وتعالى ومتى يصعد.
قلت: بين الله في كتابه أنه سبحانه {ليس كمثله شيء} فنزول الله ليس كنزول المخلوقين حتى يتصور فيه ما يتصور في حق المخلوقين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن وصفه سبحانه وتعالى في هذا الحديث بالنزول هو كوصفه بسائر الصفات كوصفه بالاستواء .. ومذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله في النفي والإثبات , والله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين فقال الله تعالى {ولم يكن له كفوا أحد} فبين أنه لم يكن أحد كفوا له , وقال تعالى {هل تعلم له سميا} فأنكر أن يكون له سمي , وقال تعالى {فلا تجعلوا لله أندادا} وقال تعالى {فلا تضربوا الله الأمثال} وقال تعالى {ليس كمثله شيء}
ففيما أخبر به عن نفسه من تنزيهه عن الكفؤ والسمي والمثل والند وضرب الأمثال له بيان أن لا مثل له في صفاته ولا أفعاله؛ فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في الذات؛ فإن الذاتين المختلفتين يمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات , فإن الصفة تابعة للموصوف بها والفعل أيضا تابع للفاعل بل هو مما يوصف به الفاعل؛فإذا كانت الصفتان متماثلتين كان الموصوفان متماثلين حتى أنه يكون بين الصفات من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الموصوفين ... فإذا قيل علم زيد ونزول زيد واستواء زيد ونحو ذلك لم يدل هذا إلا على ما يختص به زيد من علم ونزول واستواء ونحو ذلك لم يدل على ما يشركه فيه غيره لكن لما علمنا أن زيدا نظير عمرو وعلمنا أن علمه نظير علمه ونزوله نظير نزوله واستواءه نظير استوائه؛فهذا علمناه من جهة القياس والمعقول والاعتبار لا من جهة دلالة اللفظ؛ فإذا كان هذا في صفات المخلوق فذلك في الخالق أولى.
فإذا قيل علم الله وكلام الله ونزوله واستواؤه ووجوده وحياته ونحو ذلك لم يدل ذلك على ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الأولى ,ولم يدل ذلك على مماثلة الغير له في ذلك كما دل في زيد وعمرو لأنا هناك علمنا التماثل من جهة الاعتبار والقياس لكون زيد مثل عمرو ,وهنا نعلم أن الله لا مثل له ولا كفؤ ولا ند فلا يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثل علم غيره ولا كلامه مثل كلام غيره ولا استواءه مثل استواء غيره ولا نزوله مثل نزول غيره ولا حياته مثل حياة غيره
ولهذا كان مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات ونفى مماثلتها لصفات المخلوقات فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه منزه عن صفات النقص مطلقا ومنزه عن أن يماثله غيره في صفات كماله.
مجموع الفتاوى (5
329)
وقال شيخ الإسلام: ومن هنا يظهر عما ذكره ابن حزم وغيره في حديث النزول حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر.
فقالوا: قد ثبت أن الليل يختلف بالنسبة إلى الناس فيكون أوله ونصفه وثلثه بالمشرق قبل أوله ونصفه وثلثه بالمغرب قالوا فلو كان النزول هو النزول المعروف للزم أن ينزل في جميع أجزاء الليل إذ لا يزال في الأرض ليل قالوا أو لا يزال نازلا وصاعدا وهو جمع بين الضدين.
وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم وهذا عين التمثيل ثم إنهم بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم الذي لا يمكنه أن يجمع من الأفعال ما يعجز غيره عن جمعه وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يوم القيامة كل منهم يراه مخليا به ويناجيه لا يرى أنه متخليا لغيره ولا مخاطب لغيره , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي.
¥