تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ففي الصحيحين عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: لقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة. و في رواية: أن ذلك كان في شهر رمضان.

وكان أبو الدرداء يقول: صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور!.

لهذا كان كثير من السلف الصالح يتأسف عند موته على ما يفوته من ظمأ الهواجر، فقد روي ذلك عن ابن مسعود وغيره، وروي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء، ووصى عمر -رضي الله عنه- عند موته ابنه عبد الله فقال له: عليك بخصال الإيمان، وسمى أولها: الصوم في شدة الحر في الصيف، قال القاسم بن محمد: كانت عائشة -رضي الله عنها- تصوم في الحر الشديد، قيل له: ما حملها على ذلك؟ قال: كانت تبادر الموت. و كانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حراً فتصومه، فيقال لها في ذلك، فتقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد، تشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس؛ لشدته عليهم. وهذا من علو الهمة.

ونزل الحجاج في بعض أسفاره بماء بين مكة والمدينة، فدعا الأمير بغدائه ورأى أعرابياً فدعاه إلى الغداء معه، فقال: دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: الله -تعالى- دعاني إلى الصيام فصمت، قال: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم صمت ليوم أشد منه حراً، قال: فافطر وصم غداً، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد! قال: ليس ذلك إليَّ، قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه؟!

أما الأماكن فكثير من البلدان مفرطة الحر أو البرد، فبردها يذكر بزمهرير جهنم، وحرها يذكر بحر جهنم وسمومها، وبعض البقاع يذكر بالنار كالحمَّام، قال أبو هريرة: "نعم البيتُ الحمام، يدخله المؤمن فيزيل به الدرن، ويستعيذ بالله فيه من النار".

كان السلف يذكرون النار بدخول الحمام فيحدث لهم ذلك عبادة .. دخل ابن وهب الحمام فسمع تالياً يتلو: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} غافر:47. فغشي عليه!.

وتزوج صلة بن أشيم فدخل الحمَّام، ثم دخل على زوجته تلك الليلة، فقام يصلي حتى أصبح وقال: دخلت بالأمس بيتا أذكرني النار، ودخلت الليلة بيتاً ذكرت به الجنة، فلم يزل فكري فيهما حتى أصبحت.

وصب بعض الصالحين على رأسه ماءً من الحمام فوجده شديد الحر فبكى وقال: ذكرت قوله -تعالى-: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} الحج:19.

ومن أعظم ما يذكر بنار جهنم: النار التي في الدنيا.

قال الله -تعالى-: َفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ {71} أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ {72} نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ {73} 73. يعني: أن نار الدنيا جعلها الله تذكرة تذكر بنار جهنم.

قال الحسن: كان عمر ربما توقد له النار ثم يدني يده منها ثم يقول: يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر؟!

مرَّ ابن مسعود بالحدادين وقد أخرجوا حديداً من النار فوقف ينظر إليه ويبكي. وروي عنه أنه مر على الذين ينفخون الكير فسقط.

وكان أويس يقف على الحدادين فينظر إليهم كيف ينفخون الكير ويسمع صوت النار فيصرخ ثم يسقط. وكذلك الربيع بن خيثم .. وكان كثير من السلف يخرجون إلى الحدادين ينظرون إلى ما يصنعون بالحديد فيبكون ويتعوذون بالله من النار. ورأى عطاء السليمي امرأة قد سجرت تنورها فغشي عليه. كان الأخنف بن قيس يجيء إلى المصباح فيضع إصبعيه فيه ويقول: حس، ثم يعاتب نفسه على ذنوبه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه

: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم). قيل يا رسول الله إن كانت لكافية قال (فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها) رواه البخاري 3092، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب في شدة حر نار جهنم رقم 2843.

أخي الكريم: كم يَلْفحُ حرُّ الصيف أناساً فيتألمون منه ويتضايقون، ويستخدمون كافة المكيفات والمبردات لهذا الحر الذي هو فيح من حر جهنم! فكيف بها؟ ثم بعد ذلك لا يتذكرون ولا هم يعقلون، بل لقد وصل الحال بكثير من بني قومنا أنهم يتركون جو الجزيرة العربية الحار ويقضون عطلهم في البلدان الباردة في الشرق والغرب، ويا ليتهم يقضونها في السياحة المباحة، ولكن البعض منهم يذهب للفساد في الأرض .. ولا يسلم من ذلك إلا من عصمه الله وهداه.

فنسأل الله العلي الكبير أن يجعل ما في الكون من مصائب وأكدار وتقلبات تذكيراً لنا بما في اليوم الآخر من الأحوال والأهوال، ونعوذ به من الغفلة عن الدار الآخرة .. إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

انظر كل ما سبق في لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي .. بتصرف كبير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير